للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يستحب تكرار الحلف [٧٦] ، ويكره الإفراط فيه [٧٧] ، لقوله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ} [٧٨] ، فإن لم يخرج إلى حد الإكثار فليس بمكروه [٧٩] .

ومنهم من قال [٨٠] : الأيمان كلها مكروهة لقوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [٨١] .

وهو معارَض بأنّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحلف كثيراً, وربما كرر اليمينَ الواحدةَ ثلاثاً [٨٢] ، فإنّه قال في خطبة الكسوف: "والله يا أمة محمد ما مِن أحدٍ أغير من الله أن يزني عبدُه، أو تزني أمتُه يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلمُ لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" [٨٣] .

ولَقِيتْه امرأةٌ من الأنصار معها أولادها [٨٤] ، فقال: "والذي نفسي بيده إنكم لأحب النّاس إليَّ " [٨٥] ثلاث مرات [٨٦] .

وقال [٨٧] : "والله لأغزونّ قريشاً، والله لأغزونّ قريشاً، والله لأغزونّ قريشاً" [٨٨] .

وقد حُفظ عنه صلى الله عليه وسلم الحلف في أكثر من ثمانين موضعاً [٨٩] ، ولو كان مكروهاً لكان صلى الله عليه وسلم أبعد النّاس عنه [٩٠] .

ولأن الحلف بالله تعظيم له تعالى، وربَّما ضَمَّ الحالفُ إلى يمينه وصفَ الله - تعالى- بتعظيمه وتوحيده، فيكون مثاباً على ذلك [٩١] .

فقد رُوي أنَّ رجلاً حلف على شيء، فقال: "والله الذي لا إله إلا هو، ما فعلت كذا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد كَذَبَ ولكن غفر الله له بتوحيده" [٩٢] .

وأمّا قوله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأِيْمَانِكُمْ} [٩٣] فمعناه: لا تجعلوا أيمانكم بالله- تعالى- مانعة لكم من البر، والتقوى، والِإصلاح بين النّاس، وهو: أن يحلف بالله لا يفعل بِرّاً، ولا يصلحَ بين النّاس، ثم يمتنع من فعلِه ليبرّ في يمينهِ، فنهوا عن المضيّ فيها [٩٤] .