ولقد قال من يُعتدّ بقوله في هذا الشأن [٧٠] : "إذا تكلّم أحدٌ بكلمةٍ اضطربت فيها أقوال أهل الإتقان، فتسعة وتسعون قالوا: كفر بهذا المقال، وواحدٌ - فقط- قال: لا، وجب أن تُحمل على ما هذا الواحد قد قال، ثم إن كان المتكلّمُ مستنداً إلى ذلك نجا أيضاً في الآخرة، وإلاّ فهو العياذ بالله- تعالى- من الفرقة الخاسرة.
هذا، ولما كثر على الألسنة: الأيمان والطلاق، جمعتُ من ذلك مسائل مهمةً في هذه الأوراق، لا لأن أعمل أو أجيب بقولٍ ضعيف، بل لأحملَ ما سمعتُ من ذلك على محملٍ لطيف، ولأرد جماح نفسي عن الوقع في العالم، بزمام (لا يعذّب الله على مسألةٍ قال بها عالِم)[٧١] ، على أنّي أبيّنُ في كل مسألةٍ خلافية ما عليه العمل، مجتهداً في إخلائها مما يوجب الخَلَلَ والملَلَ، وسميتُها [معطية الأمان من حنث الأيمان] .
والله أسألُ التوفيق لصالح الأعمال، والسلامة من سيّئ الأقوال والأفعال، إنّه الجواد الكريم، الغفور الرحيم، وهو حسبي وكفى.
مقدّمة
الحلف بالله تعالى، والحنث فيه، يعتري كلاً منهما الأحكام الخمسة [٧٢] ، فيجب الحلف لإِنجاء معصومٍ [٧٣] من هلكة ولو نفسه كتوجه أيمان القسامة عليه وهو محق.
ويندب لمصلحة كإزالة حقد، وإصلاح بين متخاصمين.
ويباح على فعل مباح [٧٤] أو تركه كأكل سمك مثلاً، أو تركه.
ويكره على فعلٍ مكروه كأكل بصلٍ وثوم نيئ.
أو على ترك مندوب كصلاة الضحى.
ويحرم على فعل محرمٍ كشرب خمر، أو على ترك واجبٍ كنفقةٍ على زوجة، أو كاذباً عالماً بكذبه.
ثم الحنث كذلك [٧٥] : فيجب على من حلف على فعلٍ محرّم، أوترك واجب، ويسن لمن حلف على فعلٍ مكروه، أوترك مسنون، ويباح في مباح، ويكره لمن حلف على فعل مندوب، أو ترك مكروه، ويحرم على من حلف على فعل واجب، أو ترك محرم.