ونجد خطوط هذه القصة في غزليات العصر الأموي ولاسيما أحاديث عمر بن أبي ربيعة. واقتباس القصة الغزلية، مقدمةً لقصيدة المدح، دليلٌ على سيرورة هذا الغزل مطلباً لفريق من الناس من العابثين والسطحيين. يدل على ذلك سطحية المعالجة الغزلية موقفاً ومعنىً وعاطفة، سطحية تهش لها السذاجة، وتترضّى العبث المُسْتخَفّ. وماذا في البيتن (٤ - هـ) إلا معنى ضحل مُمدّد في سِمْطين من القوالب اللفظية:
وتصدت في السبت لي لشقائي
٤ - أسقمت ليلة الثلاثاء قلبي
ثم راحت في الحلة الخضراء
٥ - وغداة الخميس قد موّتتني
وسائر المعاني الغزلية لا تبرأ من السذاجة والسطحية، والمعاني الشائعة بذهن العامة تتبّدى بقوة في البيتين (٦ - ٧) .
ولاشك أن فقدان المعاناة أو التجربة الحية، وجدانياً أو عملياً، كانت من وراء تلك السطحية، إننا نستطيع أن نصوغ قصة تطرف البسطاء من الناس، وتمتع مشاعرهم وأذواقهم عَرَضاً، ولكن ليس من اليسير إقناعُ الكثير بأن وراء هذه القصة ضحيةً على وجه الحقيقة، وعذاباً إنسانيًا. ولقد احتاج الشاعر إلى معونة الوسطاء - الجمهور - في استرجاع قلب المحبوبة فلم يجدْ ما يستعين به على قضيته، شواهدَ من غرامه وجواه، وغايةُ ما اعتد به التزامٌ أخلاقي - كما يزعم - بينه وبن محبوبته. هذا الالتزام كان وسيلة الجمهور إليها وحجتهم أو حجة الشاعر عليها، ولقد عوّل على هذا الالتزام تعويلا كأنما يتعامل مع شخصية مثالية تخشى مخالفة المبدأ الخلقي، واتكأ عليه إتكاءَ من لم يجد من أجيج مشاعره ما يحمل الطرف الآخر على التفكر به والاهتمام بأمره، حتى استوفى فيها أبياتاً ستة - ما بين البيت (١٣) إلى البيت (١٨) - تحوّل فيها المسعى والرجاء إلى حكمة خلقية محضة في البيتين (١٧ ١٨) :