للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأي تناقض بين الدعوة إلى الأخلاقية المثالية في موقف هو في جوهره غير أخلاقي؟ أليس انسحاب الفضائل على أرضية الرذائل تلويثاً أو إتلافاً تاماً للفضيلة؟ أفليس من حقنا أن نشك في سلامة نظرة الشاعر إلى القيم إذ يوظفها في موقف يخرج بصاحبه عن القيم؟ .

وفي خاتمة هذا الموقف الذي أعقب إخفاقاً كلياً قد يعنّ لمتسائل سؤال: ألم يكن في عملية الإقناع تخليط سافر بين أخلاق النساء وأخلاق الرجال؟.

أليست الفروق بين الجنسين متعارفة، أن المنطق النسوى عاطفي ذاتي لا تحكمه المبادئ والكلمة المثالية إلى تحكم الرجولة؟ إن قوة الحجة لا تفتح قلب المرأة، ولذلك كان بكاؤها في البيت (١٩) مستغرباً:

كان ما بيننا كظل السراء

١٩ - فاستهلت بعبرة ثم

أرقّت فرثت له؟ بم استثار فيها التحنّن والتعاطف؟ أي امرأة تذري الدموع من فرط الصبابة بعد ثلاثة أبيات على الأقل، من الحكمة التوجيهية الجافة لا تبض بقطرة من استعطاف؟.

إن القصة تلفيق شاعر قصاص يروي عن غير تجربة، ولا هدف له إلا امتاع الآذان. ونحن لا نزعم أن بشارا كان مطالباً بقصة حب واقعية ولكنا نؤكد أن اثنين وعشرين بيتاً في الغزل هي خالية من كل رسيس وجداني صادق، مما يؤكد أن الشاعر كان غريباً عن ميدان العاشقين، والمحبين الصادقين، غريباً عن استشعار الحنّو الدافئ البريء إلى المرأة، ولا يُظن إلا أن الجانب الحسيّ غلب على مطالب نفسه فما أبقى للانفعال المتسامي موضعاً في حناياه.

ولا نزعم أيضاً أن ذاك الغزل السطحي كان منطلياً على ممدوحه، وما كان أمير البصرة ليزن مقدمته الغزلية بمعيار الصدق والواقعية أو الرصيد الإنساني الحق.

فلماذا، إذن، أعجب بالقصيدة حتى أعطاه عليها ثلاثة آلاف دينار؟ إن حجم الجائزة يشير إلى الإعجاب أو الرضا عن مجموع القصيدة لا عن المدح فيها: فهل استهوى الغزل رجل دولة كان يتطلع حقاً إلى بناء الأمجاد؟