يخبر سبحانه وتعالى، عن قدرته في خلق الأرض وأنه هو الذي مدها وبسطها لعباده فجعلها متسعة ممتدة، كما بين أن من دلائل وجوده ورحمته بعباده أن جعل في الأرض رواسي، جبالا ترسيها، وتحفظها لئلا تميد بأهلها فلا تستقر حياتهم كما جعل في هذه الأرض أنهارا وجداول وعيونا جارية في وديانها لتسقي الناس والحيوان والزروع وكل ما تنبت الأرض من الثمرات، ومن آياته أن جعل فيها من كل الثمرات صنفين اثنين، أي من كل شكل صنفان كما يقول ابن كثير [١٥] أو (من كل زوجين اثنين) أي أن النبات يتألف من ذكر وأنثى [١٦] كما ينقل سيد قطب ونديم جسر، ثم يخبر تعالى بأن من آياته الدالة على قدرته تقلب الليل والنهار يغشى أحدهما الآخر، إذ يغطي الليل النهار بظلمته، ليستريح الناس ويهدؤوا ثم يخلفه النهار بنوره ليبتغي الناس من فضله {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}(القصص/٧٣) . وقد ختم الآية بقوله:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} في آلاء الله وحكمته ودلائله لأنه لا يدرك تلك الآيات إلا من أعمل فكره فيها.
أما الآية التالية فقد شملت أنواعا من الآيات الدالة على الوجود الإلهي وهي آيات تحرك الحس والشعور بما تضمنته من دلائل حسية وعقلية ووحدانية، يقول تعالى:{وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ} .
فالأمر المحسوس المشهود للناس أن هذه الأرض التي يعيشون عليها فيها أماكن يتصل بعضها ببعض ومع هذا الاتصال فهي مختلفة الطبيعة فمنها السوداء الجيدة التربة ومنها السبخة، ومنها الرملية، ومنها الصخرية، مع أن الاتصالات والتأثيرات الخارجية في تلك القطع على السوية فدل هذا على أن اختلافها في صفاتها بتقدير العليم القدير [١٧] .