ثم أتبع ذلك بالأدلة المحسوسة الدالة على كمال القدرة الإلهية مبينا لهم أنه لا وجه لهذا الاستبعاد، إذ كيف يكون ذلك وبين أيديهم من الآيات الكونية الدالة على أن الخالق لا يعجزه شيء ما يكفيهم لو نظروا فيه بعين البصيرة والتأمل.
فقال تعالى {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ} .
فهذه آية عظيمة دالة على كمال القدرة الإلهية التي توجد الضد من ضده، فهذا الشجر الغض الذي يقطر ماء، أحدث منه الخالق القادر هذه النار المضادة له، وهذا أمر أعجب وأغرب من إعادة الغضاضة إلى ما كان غضا فطرأت عليه اليبوسة والبلى.
كما أن هذه الآية متضمنة للرد على شبهة يوردها المنكر لإعادة الحياة بعد الموت؛ ذلك أن الموت بارد يابس، والحياة طبعها الرطوبة والحرارة، فإذا حل الموت لم يكن أن تحل فيه الحياة بعد ذلك لما بينها من التضاد.
والحقيقة أن الشبهة واهية وغير واردة على موضوع البعث أصلا، ذلك أن الممتنع هو الجمع بين الضدين في آن واحد، أي بأن يكون الجسم حيا وميتا في وقت واحد، والبعث بعد الموت ليس من هذا الباب، لأنه حياة بعد موت، لا مع موت، فحينما حل بالجسم الموت ارتفعت الحياة فبقى ميتا إلى حين وقت البعث، فلما عادت إليه الحياة مرة ثانية ارتفع الموت. فليس هناك جمع بين ضدين.