للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سبحانه وتعالى هذه الشبهة بقوله {قُلْ} أمر للنبي صلى الله عليه وسلم أي ذكّر هذا الناسي لفطرته الدالة على حقيقة الأمر وكمال القدرة {يُحْيِيهَا} أي يخلق الحياة فيها {الَّذِي أَنْشَأَهَا} أوجدها من العدم {أَوَّلَ مَرَّةٍ} في بدء الخلق والنشأة، فهو الذي أنشأ هذا العظم الذي تفته بيدك من نطفة ماء- لا عظم فيه، فالقادر على إنشائه أولا، ثم إحلال الحياة فيه لا يعجزه إعادته مرة أخرى، كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه..}

يقول الفخر الرازي: (ومنهم- أي المنكرين- من ذكر شبهة، وإن كانت في آخرها تعود إلى مجرد الاستبعاد، وهي على وجهين: أحدهما أنه بعد العدم لم يبق شيئا فكيف يصح على العدم الحكم بالوجود؟ وثانيها أن من تفرقت أجزاؤه في مشارق العالم ومغاربه وصار بعضه في أبدان السباع وبعضه في جدران الرباع كيف يجمع؟ بل لو أكل إنسان إنسانا آخر فكيف الإعادة؟ وقد رد على الشبهة الأولى بقوله {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} يعني كما خلق الإنسان ولم يكن شيئا مذكورا، كذلك يعيده وإن لم يبق شيئا مذكورا.

أما الشبهة الثانية فقد أبطلها بقوله {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} ثم ذكر الأجزاء الأصلية في الإنسان، والأجزاء الفضيلة، والله عالم بكل ذلك فهو يعيد كل جزء إلى صاحبه ثم يعيد فيه الحياة) [٨] .

فعلم الله شامل بتفاصيل كيفيات الخلق والإيجاد- إنشاء وإعادة محيط بجميع الأجزاء المتفتتة المتبددة لكل شخص من الأشخاص أصولها وفروعها، كما قال تعالى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنْقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ وَعِنْدَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} قادر على إعادتها على النمط السابق الذي كانت عليه كما قال تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَه} والبنان أدق شيء في الإنسان وأصغره.