للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بينت الآيات أن استبعاد الإعادة للأجسام بعد الموت آت من إنسان لم ينظر في مبدأ خلقه أولا، إذ لو نظر في نشأته الأولى نظر تبصر واعتبار، لكفاه خلقه من نطفة، ضعيفة حقيرة، دليلا على إعادته بعد موته، فنِسيانه لمبدأ خلقه من تلك النطفة هو الذي دعاه لهذا الإنكار، ثم ضربه المثل لله القادر، بقدرة الإنسان العاجز {أَوَلَمْ يَرَ الإِنْسَان} نشأته، أي ألم يعلم {أَنَّا خَلَقْنَاهُ} أي ابتدأنا خلقه وإيجاده {مِنْ نُطْفَةٍ} من مني يمنى وما أضعف النطفة وأعجزها {فَإِذَا هُوَ} بعد العجز والضعف إنسان قوي ناطق {خَصِيمٌ مُبِينٌ} ؛ أي: بعد تلك الأطوار الضعيفة أصبح يخاصم ويجادل أبيَن جدال وأبلغ خصام، ومن ذلك خصامه وجداله في أمر البعث والجزاء، ينكر قدرة خالقه الذي أنشأه أول مرة، ويدعى عدم قدرته على إعادته ثانيا، {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً} أي صفة غريبة عجيبة يعارض بها قدرتنا الثابتة بالدليل القاطع على إعادته، فجعل لنا مثلا ونظيرا من الخلق وقاس قدرتنا على قدرتهم، ثم بين تعالى أن سبب ذلك هو ذهوله وعدم التفاته إلى خلقه الأول فقال: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} وكان من حقه ألا ينسى فيستدل به على إمكان عودته كما بدأه، ولو تأمل في ذلك لعلم أن القدرة التي سوته أولا لا يعجزها بأي حال إعادته ثانيا بعد أن صار كما يرى عظما رميما مفتتاً، وأن تلك الرجعة ليست بعيدة على القوى القادر، وقد قدم قوله {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} على ضرب مثله تنبيهاً على جهله وغبائه وغفلته، عما في نفسه وبين يديه من الأدلة، وماذا قال في مثله الذي يعتمد عليه في تأييد دعواه؟؟ (قال: من يحيى العظام وهى رميم) بالية متفتتة. فقد أتى ذلك المنكر للبعث المستبعد لوقوعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم آخذا بيده عظما رميما يفته ويذروه في الهواء، قائلا للنبي صلى الله عليه وسلم: أترى يحيى الله هذا العظم بعد ما أرم؟؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم ويدخلك النار". وقد دفع