للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر الفخر الرازي رحمه الله في تفسيره [١٠] مطاعن الملاحدة في قصة الهدهد فأطال في ذكرها، وأوجز في نقضها، ولست أرى ما يدعو إلى ذكرها.

خامسا: تأويل النمل بأنهم قوم ضعاف:

وحامت في نفوسهم وساوس الريب حول قول الله جل ذكره: {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلى وَادِ النَّمْلِ قَالتْ نَمْلةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُليْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} (١٨: النمل) ؛ إذ كيف تتكلم نملة؟ وكيف يبتسم سليمان عليه السلام ضاحكا من قولها؟ فعمدوا إلى أوهام التأويل يفهمون النص الكريم من خلالها؛ فقالوا: إن النمل ليس هو الحشرة التي نعرفها، وإنما هم قوم ضعاف.

وجاء مؤول [١١] آخر في القرن العشرين فقال: (إن المراد بوادي النمل: الوادي الكثير الناس، كأنهم النمل في كثرتهم) .

وقد رد عليه الشيخ النجار [١٢] بقوله: "وليس ما قاله بشيء؛ لأنه ينافيه قولها: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ؛ إذ كيف لا يشعر جند سليمان بالناس وخاصة إذا كانوا كثيرين كالنمل".

ونضيف نحن إلى قول الشيخ النجار فلنسلم بوجود مكان من الأرض اسمه وادي النمل؛ فهذا احتمال عقلي، ولكن ماذا نفعل في قوله تعالى: {قَالتْ نَمْلةٌ} وقولها: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ} ؟ فهل يمكن لغة أن يكون الناس هم النمل؟ وماذا يقول المؤول في قوله: {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا} ؟ والضمير عائد عليها.

وقد عقد الأديب العربي المعتزلي أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ فصلا في كتابه (الحيوان) [١٣] عن النمل ذكر فيه من طبائع هذه الحشرة ما يدل على أنها آية من آيات الله، فكان مما قال: