للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد يبلغ من تفقدها وحسن خبرها، والنظر في عواقب أمورها، أنها تخاف على ما ادخرته من الحبوب في الصيف للشتاء أن تعفن أو تسوس؛ فتخرجها إلى ظهر الأرض لتيبسها، وتعيد إليها جفافها وليضربها النسيم وينفي عنها الفساد، وإن خافت أن تنبت، نقرت موضع القطمير من وسط الحبة، وتعلم أنها من ذلك الموضع تنبت.. وتفلق حب الكسبرة أرباعا لأن أنصافه تنبت.

ثم تحدَّث عن ما لها من الهمة والجراءة على نقل شيء يزيد وزنه أو حجمه على حجمها مائة مرة، وتحدث عن التعاون في مجتمع النمل، وكيف تدل النملة صويحباتها على مكان الطعام فيتبعنها كالرائد الذي لا يكذب أهله.

ثم قال: ومن العجب أن تفكر أنها توحي إلى أختها بشيء.

والقرآن قد نطق بما هو أكثر من ذلك أضعافا.. فقد أخبر القرآن بأنها قد عرفت سليمان، وأثبتت عينه [١٤] ، وأنه عليه السلام علم منطقها، وأنها أمرت صويحباتها بما هو أحزم وأسلم، ثم أخبر أنها تعرف الجنود من غير الجنود، وقد قالت: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} ، ثم بين أن كلام النمل قول ومنطق، وأنها تفصل بين المعاني التي هي بسبيلها.

إلى أن يقول: "وإن من دخلت عليه الشبه من هذا المكان لناقص الروية رديُّ الفكرة".

ونقل الجاحظ عن أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي قوله عن وادي النمل: كان ذلك الوادي معروفا (بوادي النمل) ؛ فكأنه كان حمى، وكيف تنكر أن يكون حمى، والنمل ربما أجلت قرية [١٥] من سكانها.

وهذا الذي ذكره الجاحظ نقلا عن (النظام) [١٦] ليس خيالا ولا تاريخا يتسرب الشك إلى رواياته، وإنما هو واقع رآه بعضنا وسمع به قوم آخرون، فالصحف في مصر وغير مصر تنشر بين حين وآخر أخبار غزوات النمل البيض، وكيف تهلك غزواته الحرث والفرش.

والقرآن الكريم لم يذكر لنا حجم النملة المتكلمة ولا نوعها، وإنما نؤمن بأنها نملة من نوع النمل.