للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْ; صَارَتْ حَيَّةً عَظِيمَةً لَهَا ضَخَامَةٌ هَائِلَةٌ، وَأَنْيَابٌ تَصْطَكُّ، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ فِي سُرْعَةِ حَرَكَةِ الْجَانِّ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْحَيَّاتِ يُقَالُ لَهُ: الْجَانُّ وَالْجَنَانُ. وَهُوَ لَطِيفٌ، وَلَكِنَّهُ سَرِيعُ الِاضْطِرَابِ وَالْحَرَكَةِ جِدًّا، فَهَذِهِ جَمَعَتِ الضَّخَامَةَ وَالسُّرْعَةَ الشَّدِيدَةَ فَلَمَّا عَايَنَهَا مُوسَى، ، وَلَّى مُدَبِّرًا أَيْ; هَارِبًا مِنْهَا; لِأَنَّ طَبِيعَتَهُ الْبَشَرِيَّةَ تَقْتَضِي ذَلِكَ وَلَمْ يُعَقِّبْ أَيْ; وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَنَادَاهُ رَبُّهُ قَائِلًا لَهُ: يَامُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ فَلَمَّا رَجَعَ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُمْسِكَهَا قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى فَيُقَالُ: إِنَّهُ هَابَهَا شَدِيدًا، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي كُمِّ مِدْرَعَتِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي وَسَطِ فَمِهَا - وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ: بِذَنَبِهَا - فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهَا، إِذَا هِيَ قَدْ عَادَتْ كَمَا كَانَتْ عَصًا ذَاتَ شُعْبَتَيْنِ. فَسُبْحَانُ الْقَدِيرِ الْعَظِيمِ رَبِّ الْمَشْرِقَيْنِ وَالْمَغْرِبَيْنِ. ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِإِدْخَالِ يَدِهِ فِي جَيْبِهِ، ثُمَّ أَمَرَهُ بِنَزْعِهَا فَإِذَا هِيَ تَتَلَأْلَأُ كَالْقَمَرِ بَيَاضًا مِنْ غَيْرِ سُوءٍ أَيْ; مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ وَلَا بَهَقٍ. وَلِهَذَا قَالَ: اسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ قِيلَ: مَعْنَاهُ إِذَا خِفْتَ فَضَعْ يَدَكَ عَلَى فُؤَادِكَ يَسْكُنْ جَأْشُكَ. وَهَذَا وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِهِ، إِلَّا أَنَّ بِبَرَكَةِ الْإِيمَانِ بِهِ حَقَّ الْإِيمَانِ يَنْتَفِعُ مَنِ اسْتَعْمَلَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاقْتِدَاءِ بِالْأَنْبِيَاءِ. وَقَالَ فِي سُورَةِ «النَّمْلِ»: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ [النَّمْلِ: ١٢].

<<  <  ج: ص:  >  >>