ثُمَّ خَاطَبَهُ تَعَالَى كَمَا يَشَاءُ قَائِلًا لَهُ: إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُ الْعَالَمِينَ إِنِّي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي أَيْ; أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الَّذِي لَا تَصْلُحُ الْعِبَادَةُ وَإِقَامَةُ الصَّلَاةِ إِلَّا لَهُ. ثُمَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا لَيْسَتْ بِدَارِ قَرَارٍ، إِنَّمَا الدَّارُ الْبَاقِيَةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا وَوُجُودِهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى أَيْ; مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ. وَحَضَّهُ وَحَثَّهُ عَلَى الْعَمَلِ لَهَا وَمُجَانَبَةِ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا مِمَّنْ عَصَى مَوْلَاهُ، وَاتَّبَعَ هَوَاهُ. ثُمَّ قَالَ لَهُ مُخَاطِبًا وَمُؤَانِسًا، وَمُبَيِّنًا لَهُ أَنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءِ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ. فَيَكُونُ: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى [طه: ١٧]. أَيْ; أَمَّا هَذِهِ عَصَاكَ الَّتِي تَعْرِفُهَا مُنْذُ صَحِبْتَهَا؟ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَئارِبُ أُخْرَى [طه: ١٨]. أَيْ; بَلْ هَذِهِ عَصَايَ الَّتِي أَعْرِفُهَا وَأَتَحَقَّقُهَا قَالَ أَلْقِهَا يَامُوسَى فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى [طه: ١٩، ٢٠]. وَهَذَا خَارِقٌ عَظِيمٌ، وَبُرْهَانٌ قَاطِعٌ عَلَى أَنَّ الَّذِي يُكَلِّمُهُ هُوَ الَّذِي يَقُولُ لِلشَّيْءِ: كُنْ فَيَكُونُ. وَأَنَّهُ الْفَعَّالُ بِالِاخْتِيَارِ.
وَعِنْدَ أَهْلِ الْكِتَابِ أَنَّهُ سَأَلَ بُرْهَانًا عَلَى صِدْقِهِ عِنْدَ مَنْ يُكَذِّبُهُ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ، فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ ﷿: مَا هَذِهِ الَّتِي فِي يَدِكَ؟ قَالَ: عَصَايَ. قَالَ: أَلْقِهَا إِلَى الْأَرْضِ فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى فَهَرَبَ مُوسَى مِنْ قُدَّامِهَا، فَأَمَرَهُ الرَّبُّ، ﷿، أَنْ يَبْسُطَ يَدَهُ وَيَأْخُذَهَا بِذَنَبِهَا، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهَا ارْتَدَّتْ عَصًا فِي يَدِهِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute