ثُمَّ سَارَ إِلَى صُورَ فَأَلْقَتْ إِلَيْهِ بِقِيَادِهَا، وَتَبَرَّأَتْ مِنْ نَاصِرِيهَا وَقُوَّادِهَا، وَتَحَقَّقَتْ - لَمَّا فُتِحَتْ صَفَدُ - أَنَّهَا مَقْرُونَةٌ بِأَصْفَادِهَا.
ثُمَّ سَارَ مِنْهَا إِلَى حِصْنِ كَوْكَبَ - وَهِيَ مَعْقِلُ الْإِسْبِتَارِيَّةِ كَمَا أَنَّ صَفَدَ كَانَتْ مَعْقِلَ الدَّاوِيَّةِ - وَكَانُوا أَبْغَضَ أَجْنَاسِ الْفِرِنْجِ إِلَى الْمَلِكِ النَّاصِرِ صَلَاحِ الدِّينِ، الَّذِي لَا يَكَادُ يَتْرُكُ مِنْهُمْ أَحَدًا إِلَّا قَتْلَهُ ; إِذَا وَقَعَ فِي الْمَأْسُورِينَ - فَحَاصَرَ قَلْعَةَ كَوْكَبَ حَتَّى قَهَرَهَا، وَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهَا وَأَسَرَهَا وَأَرَاحَ الْمَارَّةَ مِنْ شَرِّ سَاكِنِيهَا، وَتَمَهَّدَتْ تِلْكَ السَّوَاحِلُ وَاسْتَقَرَّ بِهَا مَنَازِلُ قَاطِنِيهَا. هَذَا وَالسَّمَاءُ تَصُبُّ، وَالرِّيَاحُ تَهُبُّ، وَالسُّيُولُ تَعُبُّ، وَالْأَرْجُلُ فِي الْأَوْحَالِ تَخُبُّ، وَالسُّلْطَانُ فِي كُلِّ ذَلِكَ صَابِرٌ مُصَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، وَكَانَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ مَعَهُ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِفِ شَاهِدًا مُرْتَقِبًا، وَكَتَبَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ عَنِ السُّلْطَانِ إِلَى أَخِيهِ سَيْفِ الْإِسْلَامِ صَاحِبِ الْيَمَنِ يَسْتَدْعِيهِ إِلَى الشَّامِ لِنُصْرَةِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وَقَتْلِ الْكَفَرَةِ اللِّئَامِ، فَإِنَّهُ قَدْ عَزَمَ عَلَى حِصَارِ أَنْطَاكِيَةَ وَيَكُونُ تَقِيُّ الدِّينِ عُمَرُ مُحَاصِرًا لِطَرَابُلُسَ إِذَا انْسَلْخَ هَذَا الْعَامُ. ثُمَّ عَزَمَ الْقَاضِي الْفَاضِلُ عَلَى الدُّخُولِ إِلَى الدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ، فَسَارَ السُّلْطَانُ مَعَهُ لِتَوْدِيعِهِ ثُمَّ عَدَلَ إِلَى الْقُدْسِ الشَّرِيفِ، فَصَلَّى فِيهِ الْجُمُعَةَ، وَعَيَّدَ فِيهِ عِيدَ الْأَضْحَى بِالصَّخْرَةِ مِنَ الْأَقْصَى، ثُمَّ سَارَ وَمَعَهُ أَخُوهُ الْعَادِلُ إِلَى عَسْقَلَانَ ثُمَّ أَقْطَعَ أَخَاهُ الْكَرَكَ عِوَضًا عَنْ عَسْقَلَانَ وَأَمَرَهُ بِالِانْصِرَافِ لِيَكُونَ عَوْنًا لِابْنِهِ الْعَزِيزِ عَلَى حَوَادِثِ الزَّمَانِ، وَعَادَ السُّلْطَانُ فَأَقَامَ بِمَدِينَةِ عَكَّا حَتَّى انْسَلَخَتْ هَذِهِ السَّنَةُ.
وَفِي هَذِهِ السَّنَةِ خَرَجَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الرَّافِضَةِ بِمِصْرَ يُرِيدُونَ أَنْ يُعِيدُوا دَوْلَةَ الْفَاطِمِيِّينَ، وَاغْتَنَمُوا غَيْبَةَ الْعَادِلِ عَنْ مِصْرَ، وَاسْتَخَفُّوا أَمْرَ الْعَزِيزِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute