للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنذكر هنا بعض الشواهد على هذا النوع من الانحراف، ولتكن البداية من أدونيس الذي يختال على رقاب أتباعه الإمعات المندهشين به، وقد صور نفسه لهم على أنه هو المنقذ والمبشر، بل والإله الخالق المعبود، ففي أول قصائد ديوانه يقول:

(أبدًا نَخلق الوجود ونعطيه … حياة كما نرى ونشاءُ

قطرت في أكفنا فلق الصخر … عبيرًا واهتزت الصحراء) (١)

ثم يشير إلى توجهه نحو الغرب، وإيمانه بأحافير دارون، ثم ينعطف إلى ذاته مادحًا مفتخرًا فيقول:

(أنا إن مت لا أموت فقد … ركّزت في جبهة البقاء خطايا

ربّما عشت في مزاميرها لحنًا … وغلغلتُ في ذراها عشايا

كلها في دمي وكليّ فيها … صبية يعبدونها وصبايا

أنا دربي طويلة كغد يقبل … كالكون في مداه الطويل

أنا جيل في أمتي وأنا فرد … من الجيل بل أنا كل جيل) (٢)

وهكذا يتعالى هذا الباطنيّ في غطرسة وخيلاء واضعًا نفسه بأنه لو مات فإن الخطايا التي غرسها وركزها في الأمة سوف تبقى معبودة، ولكن من الذين يقومون بهذه العبادة؟ إنهم الصبية والصبايا وقد صدق وهو كذوب، فما رأينا أتباعه إلَّا سفهاء الأحلام معتوهي العقول.

ولم يقتصر أدونيس في افتخاره وتعاليه بذاته بل امتد إلى افتخاره بوالده فقد أغدق عليه من المدح ما لم يقله أحد في أحد قبله، فقال في رثائه:

(أحبه، أحبه أعظمًا


(١) الأعمال الشعرية لأدونيس ١/ ٢٠.
(٢) المصدر السابق ١/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>