الإلحادية في جحد ربوبية اللَّه وجحد ألوهيته تعالى، وصلوا إلى النتيجة التي وصل إليها أسلافهم، وهي نتيجة حتمية لمن أعرض عن اللَّه ودينه وهداه وشرعه، لقد وصلوا إلى حياة التشاكس من خلال توزع أهوائهم وعقائدهم وانتماءاتهم وتنوعها بتنوع معبوداتهم وتعدد آلهتهم، وهم مع كل هذا الخبط يفاخرون بهذه الدرجة من الانحطاط تفاخر المجنون بعقله، ويعجبون من توحيد الموحدين وإيمان المؤمنين كما عجب أسلافهم من قبل حين قالوا {أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ (٦) مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ (٧)} (١).
وقد مرّ معنا في هذا الفصل كلام بعض منظري الحداثة حين زعموا أن التوحيد انغلاق وأغلال، والوثنية تعددية وحرية وانفتاح، وكذا هو واقع أكثرهم من صرّح منهم ومن لَمّح، يرون التأله للَّه تعالى والعبادة له سببًا في التأخر والرجعية، ويعجبون أشد العجب في لغة استنكارية استكبارية أن يطلب المسلم منهم أن يعودوا بفكرهم وفنهم وأدبهم إلى حظيرة الإسلام ومعايير الإسلام وضوابط الإسلام.
فينفرون كحمر مستنفرة فرت من قسورة، ويكابرون، ويتهمون أهل الإسلام شتى التهم، ويظهرون أنفسهم في مظهر المنصف والعقلانيّ والموضوعيّ، ويتطاولون على الحقائق بأنواع من التدليس والتلبيس، ويتواصون أن {امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}، آية واحدة من القرآن تصف الحالة الشعورية والعملية لأهل الارتداد والكفر والإلحاد والشرك والنفاق.
وإذا عدنا إلى العبادات والعبوديات التي غرق الحداثيون في حمأتها، فإننا نجدها من الكثرة والتنوع بحيث لا يجمعها رابط إلَّا أنها عبودية لغير اللَّه تعالى.