للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دواعي إلهام، والكاتب المهتم بمجتمعه تدفعه إلى الكتابة مواطن النقص الموجودة به في محاولة لعلاجها وأنا حينما اكتب عن الانحراف، فالجنس شيء ضخم جدًا في الحياة، بل هو الحياة ذاتها، ولكني حين أعالجه أفعل ذلك بجدية، وليس بالعبث أو بالإثارة"، وهو بطبيعة الحال لا يقول الحق، ولكن كيف يبرر إشاعة الفاحشة بين الناس، إنه يقنع عبد الدايم الموظف الصغير في "القاهرة الجديدة" بأنه يقبل أن يقاسمه الوزير في زوجته فيوافق، وفي "خان الخليلي" في بيت من البيوت يقدم رجل البيت الحشيش وتقدم زوجته الجنس للزائرين، والجو العام "لزقاق المدق" مليء بالجنس وكل أنواع الشذوذ ورائحة البغايا التي تفوح في "بداية ونهاية" وكذلك في "الثلاثية" ثم يأخذ الخط البياني في الارتفاع من رواية لأخرى حتى يصل الذروة في "الحب تحت المطر، ورحلة ابن فطومة" "والباقي من الزمن ساعة" وغيرها) (١).

وقد ملأ الدكتور السيد أحمد فرج كتابه القيم بالشواهد الكثيرة والملخصات المهمة لانحرافات نجيب محفوظ. ولو أخذنا رواية "الخبز الحافي" كمثال من الأمثلة التي يُمكن الاستدلال بها على الإنحطاط الخلقي والإنحلال السلوكي، لوجدنا أن صاحبها قد ملأها بالاعترافات الشخصية المنحرفة من زنا ولواط وحشيش وتشرد وقوادة ونشل وغير ذلك، وكتب عنه أحد نقاد مجلة الناقد قائلًا: (هو حقًا كاتب رجيم يرجمه المتطهرون. . . يرجمه كل التقليديين والمتوائمين والحريصين على التزام المعايير والقوانيين والكوابت والكوابح والسير داخل الخطوط المحدودة الممهدة، والأنماط المعدة الجاهزة.

وهو جدير بأن يرجمه كل هؤلاء ومن إليهم، ذلك أن عالمه يقع بعيدًا جدًّا عن عوالمهم، بعيدًا جدًا لا إلى أعلى، ولا إلى يمين أو يسار، ولكن إلى أسفل، أصدق وصف أجده لشكري تمدني به العامية المصرية حين


(١) أدب نجيب محفوظ: ص ٥٣ - ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>