للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العالم الثالث، على أنها محل انبثاق عوامل القطيعة والحلول الوسطى، بجانب عوامل النظام وارتساء التقليد، فالحركية الملازمة لها على كل المستويات "الاجتماعية والمهنية والجغرافية والزواجية وفي الموضة والتحرر الجنسي. . . ليست الحداثة هي امتساخ كل القيم، بل إنها التفكيك العام لكل القيم القديمة دون تجاوزها، إنها التباس كل القيم تحت شعار نوع من الاختلاط المعمم، لن يعود هناك لا خير ولا شر، لكننا مع ذلك لم نعد خارج الخير والشر) (١).

وها هو طليعة الحداثة والعلمانية "نجيب محفوظ" الحاصل على جائزة نوبل من اليهود بعد مسيرة طويلة من التشكيك في الدين والإفساد في الأخلاق، يقود عصابات الروائيين العرب إلى ذات المخاضة التي خاض فيها، يقول الدكتور السيد أحمد فرج في كتابه "أدب نجيب محفوظ": (كانت الرذيلة هي قاعدة أعمال نجيب محفوظ، أمَّا الفضيلة فهي استثناء، ومع هذا إن وجدت تكون من النوع السلبي الباهت، يصنع الكاتب كل ذلك عن إيمان به وقناعة وعمد وسبق إصرار، والدليل على أنه يبيت النية مسبقًا لصنع هذا المجتمع غير السوي أن شابًا سأله في ندوة مجلة الشباب: لماذا تركز في رواياتك على الشخصيات المنحرفة خاصة المرأة، ولماذا تركز على الانحرافات الجنسية فقال: "لا توجد رواية من رواياتي خالية من شخصية واحدة على الأقل"، سوية وفاضلة، إذن فالفضيلة عنده استثناء لا قاعدة، ومع هذا فإن الشخصيات التي يزعم أنها سوية وفاضلة، فهي في العادة شخصيات باهتة لا دور لها في رواياته غير الفرجة ومشاهدة الأحداث، أو أنه جاء بها ليدلل على أن المتدينين سلبيون لأنهم متدينون.

ويعلل الأديب الكبير اندفاعه الجارف إلى تصوير الانحراف -خاصة انحراف المرأة والتركيز على الانحرافات الجنسية حتى لتصل إلى ما يُمكن أن نطلق عليه البغاء الوحشي- بأن الانحراف هو ملهمه الأساسي للإبداع، يقول في ذلك: "لولا الانحراف لم أكن لأكتب، أو على الأقل فلكل كاتب


(١) قضايا وشهادات ٣/ ٣٩١ - ٣٩٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>