للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجربوا المخدرات والزنى والشذوذ وحكوا ذلك في كتبهم، ومن أجل ذلك تصدى الناقد محمد مندور لمواجهة هذا الفهم الحداثي القائم على شهوة تلبست بشبهة فقال: (والذي نلاحظ بوجه عام هو أن أدباءنا وخاصة شعراءنا المعاصرين قد فسروا عبارة التجربة البشرية بمعناها الضيق فقالوا إنها التجربة الشخصية التي يجب أن يصدر عنها الشاعر، وإلّا كان شعرًا كاذبًا، وبذلك أدخلوا على الأدب وبخاصة الشعر مقاييس الصدق والكذب، وفسروا الصدق بأنه ما كان صادرًا عن تجربة شخصية ومعاناة حقيقية للأديب أو الشاعر، وفسروا الكذب بالتصنع المفتعل الذي لا يستند إلى تجربة. . .) (١).

(الوهم الخاطئ الذي يسيطر أحيانًا على بعض الأدباء الناشئين، فيدفعهم إلى الانحلال والعربدة والتسكع في الحياة بحجة اكتساب التجارب الشخصية التي يظنون أن لا غنى لهم عنها لكتابة الأدب أو قرض الشعر) (٢).

وإذا كان محمد مندور يتحدث عن بعض فئات الشباب في عصره فإن الحديث اليوم عن الحداثة يقتضي أن ننظر في حياتهم وشعرهم وتجاربهم بصورة أوسع، حسب ما في كتبهم من مجنون وخلاعة واعترافات بالفواحش والخبائث.

والذي يهمنا في كلام مندور أنه لاحظ هذه الظاهرة وسجلها في كتابه، وهو الذي لا يتهم من قبل الحداثيين، بل هو من طلائعهم الأوائل، ولذلك تحدث عن بعضٍ، أمَّا اليوم وقد سيطرت المفاهيم الإنحلالية وأصبح الأصل عندهم التحلل من القيم وأضحى ذلك لديهم من أهم المعالم الثقافية والأدبية والعملية، على غرار ما جاء فيما سبق نقله، وأمثاله من الأقوال التي تثبت أنهم جعلوا الإنحراف الخلقي أحد ثوابتهم، كما جعلوا هدم الفضيلة والطهارة والنقاء والخير أصلًا من أصولهم.

يقول أحد نقاد الحداثة: (. . . تظهر الحداثة سواء في الغرب أو في


(١) الأدب ومذاهبه: ص ٩ - ١٠.
(٢) المصدر السابق: ص ١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>