للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التجربة، والتجربة العابرة، مع رجل غريب عنها لم ترتبط به برابطة الزواج الشرعي، أمَّا الذين يعرفون اختلاف الأوضاع والقيم فسيدركون أن الشاعر لا يكذب ولا يبالغ حين يتأمل جسمها. . .

نعود إلى شكرانه اللَّه فنقول: لو كان ذلك الشكران قاصرًا على مجرد حاجة جسدية حققت عن طريق تعده تقاليدنا حرامًا لكان فيه من التجديف ومن المفارقة غير المقصودة مما تجده في كلام لص يشكر اللَّه أن مكنه من سرقة المنزل دون أن يقبض عليه، أو في دعاء لص يعتزم السرقة فيقول: ربنا يستر! أمّا هذا الشعر فهو أعلى كثيرًا من هذا المستوى؛ لأن النشوة لم تكن مجرد تلذذ حيواني. . .) (١).

ويُمكن هنا ملاحظة التعسف والادعاء الكاذب، فهو يزعم أن المرأة ليست مومسًا، ولا دليل له على ذلك، بل المتبادر أن من تعرض نفسها على الراغبين هي من المومسات، ثم هو يزعم أنها امرأة ذات كرامة وتهذيب، بالمقاييس الغربية الجاهلية، ولم يذكر في كلامه قط أي مقياس شرعي لهذه الجريمة، بل قال بأن تقاليدنا تعد هذا الفعل حرامًا، وفي هذا دلالة انسلاخ عن الدين ومعاييره وأحكامه، بل تدنيس له وتهوين من شأنه حين عد تحريم الزنا من التقاليد.

أمَّا حديثه التبريري عن الأوضاع الاجتماعية والخلقية في الغرب، وحسبانه ذلك من المبررات التي تسوغ للشاعر أن يدخل تنور الزنى، دون أي اعتبار لدين أو خلق، فهذه التقاليد الجاهلية الغربية ليست مسوغًا إلّا إذا اعتبرنا أن شرب البول في الهند -مثلًا- مسوغًا لشاعر حداثي أن يمتدح ذلك ويعده من التقدم والحضارة، أو القتل والعدوان وعصابات الإجرام والمخدرات الشائعة في الغرب، مسوغًا للإبداع الحداثي أن يمتدح ويجرب مثل هذه الأمور!!.

لقد ترسخ عند أهل الحداثة أن الإبداع لا يأتي إلّا من خلال ممارسة،


(١) قضية الشعر الجديد لمحمد التويهي: ص ١٥٦ - ١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>