وتتوجه إليه وتطبق منهجه في الحياة، هنا فقط ستسلم من غوائل التمزق، وتستريح من تعب التيه، وترتوي من ظمأ، وتأمن من خوف، وتحس بالهداية بعد الحيرة والاستقرار بعد التخبط والاطمئنان بعد القلق.
٣ - وحين يستقر في أعماق النفس التحرر من التمزق والضياع وتسلم من الصراع الداخلي والتوزع والانقسام بين مختلف الغايات وشتى الاتجاهات، وذلك بعبادة للَّه وحده واتباع شريعته، حين يفعل ذلك يتحرر، نعم يتحرر من العبوديات الكثيرة الخالبة، يتحرر من العبودية الأنانية، وشهوات نفسه، ولذات حسه، ومن الخضوع والاستسلام للمطالب المادية والرغبات الشخصية، ويخلع عن رقبته نير العبودية للهوى والشهوات، ويسلم من الهلكة في شعاب الغايات الهابطة والمقاصد البهيمية. والعبودية أنواع وألوان، وأشدها خطرًا، وأبعدها أثرًا هو خضوع الإنسان لإنسان مثله، يحل له ما يشاء، ويحرم عليه ما شاء كيف شاء، ويأمره بما أراد فيأتمر، وينهاه عما يريد فينتهي، يضع له "نظام حياة" فلا يسعه إلَّا الخضوع والإذعان والاستسلام له.
ولما كان الإسلام دعوة تحرير شامل للإنسان من العبودية لغير اللَّه، وجدناه، يوجهه نداءه إلى البشرية ليتحرروا من عبودية النظم والتشريعات الجاهلية، ليفردوا اللَّه وحده بالانقياد لشرعه وحكمه مثلما ينقادوا له في عبادته.
٤ - ومن مزايا هذه الربانية وآثارها عصمة الإنسان والإنسانية جميعا من الضياع في أودية المناهج المختلفة والأنظمة المتشاكة. فالبشر -بطبيعتهم- يتناقضون، ويختلفون من عصر إلى عصر، ومن قطر إلى قطر، بل يتناقضون في العصر الواحد والقطر الواحد والبيئة الواحدة والأمة الواحدة.
بل الإنسان الواحد يتغير بل يتناقض في فترات حياته ما بين مرحلة الشباب إلى الكهولة، وما بين حالات فقره وغناه، وفرحه وترحه، وعقله متأثر بالزمان والمكان والأوضاع والأحوال، ولذلك لا يبرأ من التناقض والاختلاف في آرائه وأقواله وأحواله، وبالتالي لا يُمكن أن تبرأ مناهجه في