ولا مبدلة ولا مخلوطة بأوهام البشر، وأهواء البشر وانحرافات البشر.
إن الإسلام منهج رباني في عقائده وعباداته وآدابه وأخلاقه وشرائعه ونظمه، كلها ربانية إلهية في كل أحوالها.
والتشريعات -وهي مجال حديثنا هنا- تشريعات تقوم على هذا الأساس الإلهي، لضبط الحياة الفردية والأسرية والاجتماعية والدولية.
وهذه الميزة الفريدة للتشريع الإسلامي هي التي يتميز بها على ما سواه من التشريعات القديمة والحديثة، ذلك أنه التشريع الوحيد الذي أساسه وحي اللَّه وكلماته التامة المبرأة من الخطأ والضلال، المنزهة عن الظلم {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١١٤) وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١١٥)} (١).
وبهذا تقرر في الأصول الإسلامية أن المشرع الوحيد هو اللَّه تعالى وحده؛ دون غيره، فهو الذي يأمر وينهي، ويحلل ويحرم، ويكلف ويلزم، بمقتضى ربوبيته وألوهيته، وملكه لخلقه أجمعين، فهو رب الناس، ملك الناس، إله الناس، له الخلق والأمر.
وكما أن الإسلام رباني المصدر والمنهج، فهو رباني الغاية والمنهج.
فعلى كثرة الغايات والأهداف في الإسلام، إلَّا أننا -عند التأمل- نجد أن هذه الأهداف الكثيرة تصب في الهدف الأكبر، وهو: مرضاة اللَّه وحسن مثوبته، فكل ما في الإسلام من تشريع وتوجيه وإرشاد إنَّما يقصد إلى إعداد الإنسان ليكون عبدًا خالصًا للَّه وحده، لا لأحد معه أو سواه، ولهذا كان روح الإسلام، وجوهره هو "التوحيد"، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٦١) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا