للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاص له من تبعات النقص البشري الراسخ في نجار هذه الكائن.

فإذا نظرنا إلى هذا الفرق الهائل بين حقيقة الألوهية وماهية النفس البشرية تبين البون الشاسع فيما يصدر عنهما من أحكام وتشريعات.

وهذا الفرق بينهما أشد وضوحًا من الفرق بين الإنسان والنملة، واللَّه سبحانه وتعالى ودينه وشريعته أجل وأعظم من هذه المقارنة، وإنَّما ذكرت ذلك -وأستغفر اللَّه- لأجل بيان قاعدة التصور عند المؤمنين الحاكمين بشرع اللَّه، وقاعدة التصور عند العلمانيين المشركين في الحكم، باتباع أحكام غير اللَّه -جلَّ وعلا-، وتاليه الإنسان ورفعه عن درجته البشرية، ونعته بالأوصاف الطاغية غير الحقيقة.

الرابع: أن الإنسان -بحكم كونه مخلوقًا للَّه تعالى- محكوم بهذه الطبيعة فهو ليس كليًا ولا مطلقًا، وليس أزليًا ولا أبديًا في هذه الدنيا، ومن ثم فإن إدراكه لابد أن يكون محدودًا بما تحده به طبيعته، ثم هو محدود في أعماله وأحكامه وتصرفاته بحكم هذه الطبيعة (١).

وقد وُهب من الإدراك ما يناسب عبوديته للَّه تعالى، ولم يوهب القدرة على إدراك كل الأمور، لا في ماهيتها ولا في إدراك كيفيتها، وإن كان يدرك إمكانها، وذلك أن حدود الطبيعة البشرية تقصر عند هذه الحدود، فكيف يُجعل الإنسان مشرعًا مع اللَّه أو من دون اللَّه وهو محصور في إطار هذه الحدود وحيز هذه الضرورات؟ ومع ذلك كله فالإدراك البشري مدعو للتدبر والتفكر، والنظر والاعتبار، والتكيف والتأثر، والتطبيق في إطار عبوديته، وفي دائرة كينونته الخَلْقية، لا في دائرة الإلحاد المظلمة، ولا في إطار التأله الكاذب الظالم؛ الكاذب لأنه متعدٍ على الحقيقة الإنسانية، والظالم لأنه متجاوز الحدود البشرية.

ولا يعني هذا أن دين الإسلام يقضي على الإدراك البشري أو يدعوه إلى الهبوط والضعف، ولكن هذا التوصيف الحقيقي للإنسان هو الذي


(١) انظر: خصائص التصور الإسلامي: ص ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>