للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولكنه ينطوي على شكوك كثيرة، ورِيَب عديدة، تجعله ينظر إلى الدين والوحي والنبوات وكل ما يترتب عليهًا نظرة الشك، ويكون بذلك من "اللاأدرية"، وهذا في حد ذاته كفر وضلال.

وفي ختام بحثه عن "تأصيل الأصول" يمتدح أدونيس منهج الرازي وهو في الحقيقة "منهش" بالشين المعجمة وليس منهجًا؛ لأن الإلحاد والكفر وإن تزيا بأزياء التفلسف والتعالم وغيرها، يبقى في حقيقة أمره تخلفًا وعتها فكريًا، وارتدادًا إلى حياة العجموات بل إلى ما هو أقل من ذلك، وما من ملحد أو مشرك أو شاك إلّا وهو حليف الباطل ومستلزماته من الكذب والكبر وغيرها، ويشهد لذلك ما في جدلياتهم من تشغيب وتكذيب وادعا وسفسطة وجهل وتناقض {وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا} (١).

قال أدونيس: (لقد نقد الرازي النبوة والوحي وأبطلهما، وكان في ذلك متقدمًا جدًا على نقد النصوص الدينية في أوروبا القرن السابع عشر، إن موقفه العقلي نفي للتدين الإيماني، ودعوة إلى إلحاد يقيم الطبيعة والمحسوس مقام الغيب، ويرى في تأملهما ودراستها الشروط الأولى للمعرفة، وحلول الطبيعة محل الوحي جعل العالم مفتوحًا أمام العقل: فإذا كان للوحي بداية ونهاية فليس للطبيعة بداية ولا نهاية، إنها إذن خارج الماضي والحاضر: إنها المستقبل أبدًا) (٢).

أمّا أن الرازي نقد النبوة والوحي فليس بأولٍ في هذا فقد سبقه فرعون وقوم نوح وقوم صالح وكفار قريش وغيرهم، وهو في الحقيقة ليس نقدًا بل هو تهويش معهود من ملل الكفر وطواغيته، أمّا إبطال الوحي والنبوة فليس ذلك في مستطاعه ولو كان ظهيره كل أهل الأرض، ذلك أن حقائق النبوة والوحي في أصل ثبوتها، وفي دلائل صدقها في ذاتها وفي مقتضياتها وفي أخبارها الغيبية وموافقتها العلمية للتجارب البشرية الثابتة، يدل غاية الدلالة


(١) الآية ٥٦ من سورة الكهف.
(٢) المصدر السابق ٢/ ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>