ذلك فليأت بمثله. . . إن أردتم بمثله في الوجوه التي يتفاضل بها الكلام فعلينا أن نأتيكم بألف مثله من كلام البلغاء والفصحاء والشعراء، وما هو أطلق منه ألفاظًا وأشد اختصارًا في المعاني، وأبلغ أداء وعبارة وأشكل سجعًا، فإن لم ترضوا بذلك، فإنا نطالبكم بالمثل الذي تطالبوننا به"، وهذا النقد يتناول القرآن من حيث ألفاظه وتراكيبه وفصاحته وموسيقاه اللفظية، ويرى أن هناك نتاجًا أعلى، في هذا كله، من القرآن ويتناوله من حيث معناه، فيرى أنه أسطوري خرافي "من غير أن تكون فيه فائدة أو بينة على شيء". . .، وعلى هذا ينكر الرازي أن يكون القرآن معجزة أو حجة، أو أن تكون الكتب الدينية الأخرى معجزة أو حجة، ويرى أن الإعجاز والحجية يتمثلان في الكتب العلمية والفلسفية، يقول: "لو وجب أن يكون كتاب حجة، لكانت كتب أصول الهندسة والمجسطي الذي يؤدي إلى معرفة حركات الأفلاك والكواكب، ونحو كتب المنطق وكتب الطب الذي فيه علوم مصلحة الأبدان، أولى بالحجة، مما لا يفيد نفعًا ولا ضرًا ولا يكشف مستورًا"، وهكذا يرى الرازي أن الفعل هو وحده مصدر المعرفة وأصلها وأن النبوة باطلة، وهو لذلك يرى أن العقل هو الذي يهدي الإنسان، وأن النبوة هي التي تضله، ولقد كان من الخير والحكمة ألا يكون هناك أنبياء ولا أديان، إذ "لولا ما انعقد بين الناس من أسباب الديانات لسقطت المجاذبات والمحاربات والبلايا") (١).
وهكذا يسلك أدونيس نفسه في هذا المسلك الإلحادي ولكن تحت ستار الرازي الملحد، وبذلك يؤسس للحداثة العربية والعلمانية العربية الأساس الاعتقادي الذي تنطلق منه، والأصل الفكري الذي تنبثق عنه، وهذا ما حصل فعلًا على مستويات عديدة عند الحداثيين، حتى الذين لا يتبعون مدرسة أدونيس، فإن كثرة إدمانهم قراءة كتب الملاحدة القدماء والمحدثين، وشدة تعمقهم في الاطلاع على نتاجهم أوصلهم إلى دركات الإلحاد والجحد، وأمثلهم طريقة هو من لم يجرؤ على المجاهرة بالجحد الصريح،