للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمّا أقواله التي بناها على أقوال الرازي فهي من التهافت والهزال بمكان، حيث أنهما -أعني الرازي وأدونيس- لم يفرقا بين الوحي الصحيح الثابت، والأقوال المكذوبة المنسوبة زورًا وكذبًا إلى اللَّه تعالى وإلى أنبيائه، فعيسى عليه الصلاة والسلام لم يقل أبدًا أنه ابن اللَّه، بل قال بأنه عبد اللَّه، وأقوال اليهود والنصارى في قتل المسيح ليست حجة على الوحي الصحيح، ولكن الذين في قلوبهم زيغ الشرك والجهل لا يعقلون.

ويقول أدونيس: (وإذا كان الرازي قد أبطل الأساس وهو النبوة، فقد كان طبيعيًا أن يبطل الأديان. . .) (١).

وهذا أمر معلوم، فإنه ما من أحد يجحد النبوات أو يشكك في الوحي إلّا وهو يهدف إلى إبطال الدين والمنزل من عند اللَّه، تمهيدًا للدين المختلق من عقول الكافرين، فإنه لابد أن يدين الإنسان لشيء مّا، ولابد أن يعتقد عقيدة مّا، وهؤلاء بسعيهم إلى إبطال الدين الحق، ينطوون -عمليًا- على تثبيت عقائد الإلحاد التي يؤمنون بها، ودعوة الناس إلى اتباعها، وهذا من البديهيات التي يشهد لها واقع الملاحدة والكفار والمشركين قديمًا وحديثًا، قال اللَّه تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (١٢)} (٢).

وفي تتبع أدونيس لخطوات الرازي يقول: (وينتقل الرازي من إبطال النبوة والأديان إلى نقد الكتب المقدسة، وإبطالها، ويرتكز نقده، هنا، في المقام الأول، على تشبيه اللَّه وتجسيمه، وعلى ما في هذه الكتب من التضارب، وكان للقرآن بشكل خاص النصيب الأوفى والأشمل من النقد الذي وجهه الرازي إلى هذه الكتب، وهو ينقد القرآن، من الناحيتين: ناحية المعنى، وناحية الشكل، يقول: "قد واللَّه تعجبنا من قولكم القرآن هو معجز وهو مملوء من التناقض، وهو أساطير الأولين وهي خرافات"، ويقول: "إنكم تدعون أن المعجزة قائمة موجودة، وهي القرآن، وتقولون: من أنكر


(١) المصدر السابق ٢/ ٨٣.
(٢) الآية ١٢ من سورة العنكبوت.

<<  <  ج: ص:  >  >>