ثم يسترسل في كلامه ليصل إلى قضية "الوحي" فيقول: (أتمنى هنا عندما تلفظ كلمة الوحي أن تشعر بأنها كلمة شديدة الخطورة والأهمية، وأنه لا يُمكننا استخدامها بسهولة وبمناسبة ودون مناسبة، بمعنى أننا لا نفهمها جيدًا، وإنها بحاجة لأن تخضع لدراسة جديدة دقيقة لا تقدم أي تنازل للتصورات الألفية التي فرضتها العقائد الدوغمائية الراسخة، أتمنى أن ننظف من كل ما علق بها من أوشاب إيديولوجية، وذلك لأن العقائد الدوغمائية الراسخة تحمل في طياتها الكثير من الإيديولوجية. . . إن عملنا يتمثل في عزل، وفرز كل ما أضيف إلى كلمة وحي من أشياء تثقلها وتجعل منها أداة إيديولوجية أو آلة إيديولوجية من أجل الهيمنة والسيطرة، وليس فضاء للمعرفة المنفتحة على الكون، وهذا إشكالي، فنحن لا نعرف بالضبط ما هو الوحي، وأستطيع أن أقول الآن ما يلي: لا توجد حتى هذه اللحظة التي أتكلم فيها أمام أي مكتبة في العالم، ولا أي كتاب في أية لغة من لغات العالم يطرح مشكلة الوحي على طريقة العقلانية الحديثة ومنهجيتها)(١).
ويتضمن هذا القول عدة أمور:
١ - أنه يريد إخضاع الوحي للدراسات المادية التي يعتقدها أركون ويؤمن بها، ومثله في ذلك مثل الماركسي الذي يدرس الوحي والإسلام بناء على الديالكتيك الشيوعي.
٢ - أن الدوغمائية التي يصف بها المؤمنين الملتزمين بالإسلام في مجال التشنيع والسباب والتنفير من عقائدهم، يمارسها هو بنفسه، ويتضح ذلك من خلال هذا النص والذي قبله وغيره من النصوص التي جعل فيها العقلانية والتاريخية والألسنية المعايير الصحيحة القاطعة التي لا تقبل النقاش ولا المؤاخذة، وإن لم يقل ذلك صراحة إلّا أن شدة تعصبه لها وشدة إيقانه بها يدل على دوغمائيته الشديدة.
٣ - إنه يريد أن ينقي الوحي -حسب زعمه من العقائد الدوغمائية