للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله تعالى: {وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا؛} معناه: إذا قيل لأهل مكة هلمّوا إلى تحليل وتحريم ما أنزل الله في كتابه وبيّنه الرسول في سننه، قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه آباءنا من الدّين والسّنة، يقول الله تعالى: {أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً؛} من الدّين والسّنة، {وَلا يَهْتَدُونَ} (١٠٤)؛الطريق المستقيم.

قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ؛} أي الزموا أنفسكم واحفظوها كما يقال: عليك زيدا، فتنصب زيدا على الإغراء بمعنى: الزم زيدا، كأنّه تعالى قال: عليكم أيّها المؤمنون بإصلاح أنفسكم، ومتابعة سنّة نبيّكم، فإنكم إذا فعلتم ذلك لا يضرّكم ضلالة من ضلّ من أهل مكة إذ هديتم أنتم، {إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ؛} في الآخرة، {جَمِيعاً؛} البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر، {فَيُنَبِّئُكُمْ؛} فيجزيكم؛ {بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (١٠٥)؛ من خير أو شرّ.

وروي عن السّلف في تأويل هذه الآية أحاديث مختلفة الظواهر، وهي متفقة في المعنى، فمنها ما روي عن أبي بكر رضي الله عنه قال على المنبر: أيّها النّاس، إنّي أراكم تتأوّلون هذه الآية: {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ)} وإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ما من قوم يعمل بين أظهرهم بالمعاصي فلم يغيّروها إلاّ يوشك أن يعمّهم الله بعقابه] (١).

وعن أبي أمامة قال: سألت أبا ثعلبة الخشنيّ عن هذه الآية فقال: لقد سألت عنها خبيرا، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: [يا أبا ثعلبة ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت دنيا مؤثرة وشحّا مطاعا، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، فإنّ من بعدكم أيّام الصّبر، والصّابر فيها كالقابض على الجمر،


(١) في الدر المنثور: ج ٣ ص ٢١٥؛ قال السيوطي: «أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد عن جرير البجلي، وذكره بمعناه».وأخرجه عبد الرزاق في المصنف: الحديث (٢٠٧٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>