للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا)} وقرأ الآية. فقال عمر رضي الله عنه: إنّك أخطأت التّأويل يا قدامة؛ لو اتّقيت الله ما شربت).وفي بعض الروايات:

(لو اتّقيت الله لاجتنبت ما حرّم عليك. ثمّ أمر بإقامة الحدّ عليه) (١).

وإنما لم يحكموا بكفر قدامة ولم يستتيبوه؛ لأنه كان يتأوّل الآية على الحال الذي هو فيها، ووجود الصّفة التي ذكرها الله تعالى في هذه الآية مكفّرة لذنوبه، وأنه لا يستحقّ العقوبة على شربها مع اعتقاده بتحريمها، وإنّ إحسانه كفّر سيّئاته، فردّت الصحابة عليه هذا التأويل، فأقيم عليه الحدّ.

قوله عزّ وجلّ: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ؛} أي ليعاملنّكم الله معاملة المختبر ليجازيكم على ما يظهر منكم. قوله تعالى: {بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ؛} اختلفوا فيه؛ فقال بعضهم: (من) هاهنا للتبعيض، وأراد بذلك صيد البرّ دون صيد البحر، وصيد الإحرام دون الإحلال.

وقال بعضهم: (من) هاهنا للجنس كقوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ} (٢) معناه: اجتنبوا الرّجس الذي هو وثن. وقال بعضهم: أراد بقوله: {(بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ)} بما يكون من جزاء الصّيد وإن لم يكن صيدا كالبيض والفرخ والريش، والآية شاملة لجميع هذه المعاني.

قوله تعالى: {تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ؛} أي تأخذونه بأيديكم من فراخ الطّير وصغار الوحش والبيض، وما تصيبه رماحكم من كبار الصّيد التي لا تصاد باليد. قوله تعالى: {لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ؛} أي ليميّز الله من يخافه ممن لا يخافه في السرّ بينه وبين الله تعالى.

قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ؛} أي من تجاوز الحدّ في أخذ صيد البرّ مع الإحرام، وأخذ الصيد في الحرم بعد البيان له والنهي عنه، {فَلَهُ}


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: الأثر (١٧٠٧٦).وفي الجامع لأحكام القرآن: ج ٦ ص ٢٩٨؛ قال: «ذكره الحميدي عن أبي بكر البرقاني عن ابن عباس».
(٢) الحج ٣٠/.

<<  <  ج: ص:  >  >>