للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تحريمها، وقبل العلم بتحريمها إذا ما اجتنبوا الكفر والشّرك وسائر المعاصي فيما مضى، {(وَآمَنُوا)} أي وصدّقوا بمحمّد صلى الله عليه وسلم والقرآن {(وَعَمِلُوا)} الطاعات {(ثُمَّ اتَّقَوْا)} شرب الخمر بعد التحريم {(وَآمَنُوا)} أي أقرّوا بتحريمها {(ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا)} أي ثم داوموا على ذلك وضمّوا إلى ذلك الإحسان في العمل.

وقيل: أراد بالاتقاء الأول: اتقاء جميع المعاصي فيما مضى، وأراد بالثاني: اتقاء المعاصي في المستقبل، وأراد بالثالث: اتقاء ظلم العباد في المعاملات. وقيل: أراد بقوله:

{(إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا)} إذا ما اجتنبوا شرب الخمر بعد تحريمها وصدّقوا بتحريمها، {(ثُمَّ اتَّقَوْا)} سائر المعاصي، وأقرّوا بتحريم ما يحدث تحريمه من بعد مجانبته، ثم جمعوا بين اتّقاء المعاصي وإحسان العمل والإحسان إلى الناس. قوله تعالى: {وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (٩٣)؛أي يرضى عمل الذين يفعلون الأفعال الحسنة، ويجتنبون قبائحها.

وروي عن ابن عبد الرحمن السلمي أنه قال: (شرب نفر من أهل بدر الخمر وعليهم يومئذ يزيد بن أبي سفيان، وقالوا: هي لنا حلال! وتأوّلوا قوله تعالى: {(لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا)} إلى آخر الآية. وكتب يزيد بذلك إلى عمر رضي الله عنه، فكتب عمر: ابعثهم إليّ من قبل أن يفسدوا من معك، فبعثهم إليه، فلمّا قدموا، جمع عمر رضي الله عنه جماعة «من الصّحابة» فقال لهم: ما ترون فيهم؟ قالوا: إنّهم افتروا على الله، وشرعوا في دينه ما لم يأذن؛ فاضرب أعناقهم.

وكان في القوم عليّ كرّم الله وجهه وهو ساكت، فقال له عمر: ما ترى؟ قال: أرى أن تستتيبهم، فإن تابوا فاضربوهم ثمانين جلدة، وإن لم يتوبوا فاضرب أعناقهم.

فاستتابهم فتابوا، فضربهم ثمانين وأرسلهم) (١).

وروي: (أنّ قوما شهدوا عند عمر رضي الله عنه على قدامة بن مضعون أنّه شرب الخمر، فأراد عمر أن يجلده؛ فقال قدامة: ليس لك ذلك؛ لأنّ الله تعالى يقول:


(١) أخرجه عبد الرزاق في المصنف: كتاب الأشربة: باب من حدّ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (١٧٠٧٦) عن عبد الله بن عامر بن ربيعة. والبيهقي من طريق في السنن الكبرى: كتاب الأشربة: الأثر (١٨٠٠٧) عن محمد بن سيرين.

<<  <  ج: ص:  >  >>