للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقال إبليس: يا ربّ إنّه لا يبالي بماله فسلّطني على جسده، فأنّك لو سلّطتني على جسده لم تجده شاكرا، فسلّطه عليه فنفخ في أنفه فانتفخ وجهه وسرى ذلك إلى جسده، فوقع فيه الديدان.

إلاّ أنّ هذا القول لا يصحّ ولا وجه لقبوله، ولا يجوز أن يسلّط الله إبليس على نبيّ من أنبيائه فيفعل به ما أحبّ.

ويقال: سبب ابتلائه أنّ إنسانا استغاث به في ظلم يدرءوه عنه، فصبر لورده حتى فاته فابتلي. فلمّا مكث أيوب في البلاء ما مكث، قاربت امرأته الشيطان في بعض الأمور، قيل: إنّ الشيطان قال لها: لئن أكل أيّوب طعاما لم يذكر اسم الله عليه عوفي. ويقال: إنّها قالت لأيّوب: لو تقرّبت إلى الشيطان فذبحت له عناقا، فقال: لا والله، ولا كفّا من تراب. وحلف ليجلدنّها إن عوفي مائة جلدة. وقيل: إن إبليس قال لها: إن شفيته تقولين لي شفيته، فأخبرت بذلك أيوب فحلف.

فلما طال البلاء على أيّوب، وبلغ به غاية الجدّ سأل الله تعالى أن يكشف ضرّه، فقيل له:

{اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ} (٤٢)؛أي اضرب بها الأرض، فركض برجله الأرض فنبعت عين ماء فاغتسل منها فذهب الداء من ظاهره، فضرب برجله الأرض مرّة أخرى فنبع ماء وشرب منه، فذهب الداء من باطن جسده. والرّكض: هو الدفع بالرّجل على جهة الإسراع، ومنه ركض الفرس لاسراعه، والمغتسل موضع الاغتسال.

قوله تعالى: {وَوَهَبْنا لَهُ أَهْلَهُ؛} أي أحيينا له أهله وأولاده الذين كانوا بأعيانهم، {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ،} ورزقناه مثلهم في المستقبل، {رَحْمَةً مِنّا،} أي نعمة منّا عليه، {وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ} (٤٣)،وعظمة لأولي العقول من النّاس، وذلك ليعلم العاقل أنّ ما يصيبه في الدّنيا من المحن والمكاره والمصائب في النّفس والأهل والمال، لا يكون لهوان العبد على الله كما يظنّه الجهّال، وإنّما هو امتحان من الله لأوليائه كي يعوّضهم بذلك جزيل ثوابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>