للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مذهب أهل السّنة؛ لأنّهم يعتقدون أنّ الله خلقهم وعملهم، والقدريّة تنكر خلق الأعمال.

فلمّا ألزمهم إبراهيم عليه السّلام الحجّة، {قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} (٩٧)؛أي قالوا: ابنوا له حائطا من حجارة طوله في السّماء ثلاثون ذراعا، وعرضه عشرون ذراعا، وملئوه نارا، وذلك قوله تعالى: {(فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ)} وهي النار العظيمة، فبنوا له ذلك وجمعوا فيه الحطب، وأرسلوا فيه النار حتى صار جحيما، ثم رموه بالمنجنيق.

فنجّاه الله تعالى، وجعل النار عليه بردا وسلاما لم يؤذه منها شيء ولا أحرقت شيئا من ثيابه، وذلك لإخلاصه وقوّة دينه وصدق توكّله ويقينه، كما روي أنه عليه السّلام لما انفصل من المنجنيق أتاه جبريل في الهواء، فقال هل لك من حاجة؟ فقال: وأمّا إليك فلا.

قوله تعالى: {فَأَرادُوا بِهِ كَيْداً؛} أي أرادوا به شرّا، وهو أن يحرقوه بالنار، {فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ} (٩٨)؛لأن إبراهيم علاهم بالحجّة حين سلّمه الله تعالى وردّ كيدهم عنه، ولم يلبثوا إلاّ يسيرا حتى أهلكهم الله تعالى، وجعلهم في نار أعظم وأسفل مما ألقوه فيها.

قوله تعالى: {وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ} (٩٩)؛أي قال إبراهيم:

إنّي ذاهب إلى مرضات ربي سيهديني لما فيه رشدي وصلاحي، وأراد بهذا الذهاب إلى الأرض المقدّسة، وقيل: إلى أرض الشّام، قال مقاتل: (فلمّا قدم الأرض المقدّسة سأل ربّه الولد) (١) فقال:

{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصّالِحِينَ} (١٠٠)؛أي ولدا صالحا.

واستجاب الله دعاءه بقوله: {فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} (١٠١)؛قال الزجّاج: (هذه البشارة تدلّ على أنّه مبشّر بابن ذكر، وأنّه يبقى حتّى ينتهي في السّنّ،


(١) قاله مقاتل في التفسير: ج ٣ ص ١٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>