قوله تعالى: {فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ (٩١) ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ} (٩٢)؛أي مال إلى أصنامهم ميلة في خفية سرّا لمّا أدبروا عنه فوجد بين أيديهم طعاما كانوا قد وضعوه قبل خروجهم إلى عيدهم، وزعموا بجهلهم أن أصنامهم تبارك لهم فيه، فإذا رجعوا من عيدهم أكلوه. قال مقاتل:(كانت أصنامهم اثنين وسبعين صنما من خشب وحديد ورصاص وذهب وفضّة، وكان أكبرهم من ذهب وعيناه ياقوتتان، فلمّا رآهم إبراهيم كذلك وبين أيديهم الطّعام، قال: ألا تأكلون ما حولكم من الأطعمة، فلمّا لم يكن منهم أكل ولا جواب قال لهم: ألا تنطقون إن كنتم آلهة)(١).
قوله تعالى:{فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ}(٩٣)؛أي مال عليهم بالضّرب بيده اليمنى وبالقوّة، ويقال: برّ يمينه التي كان حلف بالله لأكيدنّ أصنامكم، فجعل يضربهم بالفأس حتى جعلهم جذاذا، ثم جعل الفأس على عاتق كبير الأصنام، والرّوغان في اللغة: هو الميل على وجه الاضطراب.
قوله تعالى:{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ}(٩٤)؛أي أقبل المشركون إليه بعد رجوعهم من عيدهم يسرعون في المشي، كأنّهم أخبروا بصنعه فقصدوه. والزّفيف: هو المشي السّريع، ومن ذلك زفيف النّعام وهو خببه الذي يكون بين المشي والعدو، ومنه الآزفة لسرعة مجيئها وهو القيامة.
وقرأ حمزة «(يزفّون)» بضمّ الياء؛ أي يحملون دوابّهم وظهورهم على الإسراع في المشي، وذلك أنّهم أخبروا بصنع إبراهيم بآلهتهم، وأسرعوا إليه ليأخذوه، فلما انتهى إليه؛
{قالَ} لهم محتجّا عليهم: {أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ}(٩٥)؛بأيديكم من الأصنام، أي تعبدون ما تنحتونه من الخشب والحجر أمواتا لا تنطق ولا تسمع ولا تنصر ولا تعقل.
قوله تعالى:{وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ}(٩٦)؛تنحتون بأيديكم؛ أي خلقكم ومعمولكم وهو منحوتهم الذي نحتوه، والمعنى: خلقكم وعملكم، وهذا