شاكّا في جزاء عمله وجزاء عملهم، وقال الكلبي ومقاتل:(هذه الآية منسوخة بآية الجهاد)(١).
قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كانُوا لا يَعْقِلُونَ}(٤٢)؛قال ابن عبّاس:(نزلت في يهود المدينة، كانوا يبلغون مكّة فيأتون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فيسألونه ويستمعون قراءته فيعجبهم ذلك ويشتهونه؛ ثمّ تغلب عليهم الشّقاوة فلا يؤمنون به).والمعنى: ومنهم من يستمع إليك وهو في المعنى كأنّه متفكّر في ما تقول وهو غير متفكّر فيه.
قوله تعالى:{وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ}(٤٣)؛نظر من هو في الظاهر مستمع إلى كلامك، وطالب الانتفاع به، وليس في الحقيقة كذلك، قوله: {(أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ)} أي كما لا يقدر أن يسمع كلامك الصمّ، فكذلك لا يقدر على أن ينتفع من كلامك غير طالب الانتفاع به، وكما أنّك لا تقدر على أن تبصر العمي، فكذلك لا تقدر على أن تنفع بما يأتي من الأدلّة من ينظر ولا يطلب الانتفاع بها. وفي الآية ما يدلّ على تفضيل السّمع على البصر؛ لأنه تعالى ذكر مع الصم فقدان العقل، ولم يذكر مع العمى إلا فقدان البصر.
قوله تعالى:{إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النّاسَ شَيْئاً؛} أي لا ينقص من حسناتهم، ولا يزيد في سيّئاتهم ما يمنعهم الانتفاع بكلامه وأدلّته، {وَلكِنَّ النّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}(٤٤)؛بأن لا يطلبوا الانتفاع به ويعرضوا عن التفكّر فيه، أخبر الله في هذه الآية أن تقدير الشّقاوة عليهم لم يكن ظلما منه؛ لأنه يتصرّف في ملكه كيف يشاء، وهم إذا كسبوا المعاصي فقد ظلموا أنفسهم؛ لأن الفعل منسوب إليهم وإن كان القضاء من الله عزّ وجلّ.
قوله تعالى:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ؛} أي ويوم يجمعهم في الموقف كأن لم يلبثوا في الدّنيا إلا قدر ساعة من
(١) عن الكلبي ومقاتل وابن زيد؛ نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج ٨ ص ٣٤٦.وفي جامع البيان: تفسير الآية؛ قال الطبري: ((وقيل: إن هذه الآية، نسخها الجهاد والأمر بالقتال)).