النّهار، وفي هذا بيان أن المكث في الدّنيا وإن طال، كان في جنب الآخرة بمنزلة ساعة من النّهار. قوله تعالى: {(يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ)} أي يعرف بعضهم بعضا، ويكون في معرفة بعضهم لبعض حسرة على من ضلّ بقيام الحجّة عليهم.
وقال ابن عبّاس:(وذلك حين يخرجون من قبورهم ثمّ تنقطع المعرفة)، وقيل: معناه: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلا ساعة من نهارهم، وقال الضحّاك:(قصر عندهم مقدار الوقت الّذي بين موتهم وبعثهم، فصار كالسّاعة من النّهار لهول ما استقبلوا من آخر البعث والقيامة، يتعارفون بينهم بتوبيخ بعضهم بعضا، يقول كلّ كافر لآخر: أنت أضللتني يوم كذا، وأنت أورثتني دخول النّار بما علّمتني وزيّنته لي).
قوله تعالى:{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ؛} أي غبن الذين كذبوا بالبعث بعد الموت بذهاب الدّنيا والآخرة عنهم، {وَما كانُوا مُهْتَدِينَ}(٤٥).
قوله تعالى:{وَإِمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ؛} في الآية وعد من الله لنبيّه صلّى الله عليه وسلّم أن ينتقم له منهم، منه في حياته أو بعد مماته، قال المفسّرون: كانت وقعة بدر مما أراه الله في حال حياته مما أوعد المشركين من العذاب {(أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ)} قبل أن نريك، {(فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ)} بعد الموت فيجزيهم بأعمالهم.
قال الزجّاج:(أعلم الله أنّه إن لم ينتقم منهم في العاجل انتقم منهم في الآجل)(١).وقوله تعالى: {(فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ)} أي لا يفوتوننا ولا يعجزوننا. وعن ابن عبّاس قال:(نزل جبريل عليه السّلام على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوم بدر فقال: إنّ ربي أمرني أن لا أفارقك اليوم حتّى ترضى، فهل رضيت؟ قال:[نعم؛ أراني بعض ما أوعدهم فله الحمد على ذلك]).وقوله تعالى:{ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ}(٤٦)؛ من محاربتك وتكذيبك.
قوله تعالى:{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ؛} أي لكلّ أمّة من الأمم رسول يدعوهم إلى ما أمرهم الله به ونهاهم عنه، ويبشّرهم بالجنة ويخوّفهم بالنار، {فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ} يوم القيامة شاهد عليهم بأعمالهم {قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا}
(١) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج ٣ ص ٢٠،والمعنى أتم وأوضح.