يردّكم عن عبادة الله وهو الحقّ إلى عبادة الأصنام الباطلة إلا الضّلال، ومن أين {فَأَنّى تُصْرَفُونَ}(٣٢)؛عن الإيمان بالله وإخلاص الطاعة له بعد المعرفة.
قوله تعالى:{كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}(٣٣) أي كما وجبت كلمة العذاب فيهم، وجب على كلّ من تمرّد بالكفر، وقوله: {(أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ)} يجري مجرى التّعليل، كأنّه قال بإصرارهم على الكفر؛ لأنه كلما كان تمرّدهم أكثر، كانوا في الكفر أشدّ ضلالة، وإلا فقد آمن كثير من الكفار، وقال ابن عبّاس:
(وجبت كلمة العذاب عليهم وهم في صلب آدم عليه السّلام).
قوله تعالى:{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ؛} أي قل لهم يا محمّد: هل من شركائكم الذين أشركتم مع الله في العبادة من ينشئ الخلق من النّطفة بعد أن لم يكن، ويجعل فيه الروح؟ قوله تعالى: {(ثُمَّ يُعِيدُهُ)} فيه اختصار؛ لأنّ الإعادة ردّ الشيء إلى الحالة الأولى، ولا يكون ذلك إلا بعد فناء، فيكون تقدير الآية: من يبدأ الخلق من النطفة، ثم يفنيه، ثم يعيده في الآخرة. {قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ}(٣٤)؛أي من أين تصرفون عن الإيمان بالله وإخلاص الطاعة له.
قوله تعالى:{قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ؛} أي قل هل من آلهتكم من يهتدي إلى الرّشد، وما فيه صلاح لهم، {قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ؛} أي الرّشاد وما فيه صلاح الإنسان، يقال: هديت إلى الحقّ، وهديت للحقّ بمعنى واحد.
وقوله تعالى:{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاّ أَنْ يُهْدى} معناه: أفمن يدعو إلى عمل الحقّ أحقّ أن يطاع ويعمل بأمره، أمّن لا يهتدي طريقا إلا أن يحمل فيذهب به حيث يراد، يعني الأصنام، كأنه قال: إن «الأصنام» التي يعبدونها من دون الله لا تهتدي بأنفسها إلا أن يهدى بها عند غيرها (١).
واختلف القرّاء في قوله: {(أَمَّنْ لا يَهِدِّي)،} وأجودها قراءتان: «(يهدّي)» فتح الهاء، و «(يهدّي)» بكسر الهاء، والأصل في ذلك يهتدي أدغمت التاء في الدّال، وطرح فتحها على الهاء، وكسرت الهاء لالتقاء السّاكنين.