للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فلم يزل أبو عامر كذلك إلى أن هزمت هوازن، فخرج هاربا إلى الشّام فأرسل إلى المنافقين أن استعدّوا بما استطعتم من قوّة وسلاح وابنوا لي مسجدا، فإنّي ذاهب إلى قيصر ملك الرّوم، وآت بجند من الرّوم وأخرج محمّدا صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه. فبنوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، وكان الّذين بنوه اثنى عشر رجلا.

فلمّا فرغوا منه أتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو متجهّز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إنّا قد بنينا مسجدا لذوي العلّة والحاجة واللّيلة المطيرة واللّيلة الشّاتية، وإنّا نحبّ أن تأتيه فتصلّي لنا فيه وتدعو لنا بالبركة، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: [إنّي على جناح سفر وحال شغل، ولو قدمنا لأتيناكم إن شاء الله فصلّينا لكم فيه].

فلمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تبوك أتوه فسألوه إتيان مسجدهم، فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم، فنزلت هذه الآية وأعلمه الله تعالى بخبرهم وما همّوا به، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مالك بن الدّهشم ومعن بن عديّ وعامر بن السّكن والوحشيّ قاتل حمزة، وقال لهم: [انطلقوا إلى هذا المسجد الظّالم أهله فاهدموه وحرّقوه] فخرجوا سراعا، فأخذوا سعفا من النّخل، وأشعلوا فيه النّار وهدموه، وأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يتّخذ كناسة يلقى فيه القمامة والجيف، ومات أبو عامر بالشّام وحيدا غريبا (١).

وقال عكرمة: (سأل عمر رضي الله عنه رجلا منهم: ماذا أعنت في هذا المسجد، قال:

أعنت فيه بسارية، فقال عمر رضي الله عنه: أسر بها في عنقك في نار جهنّم).وروي: (أنّ بني عمرو بن عوف بنوا مسجدا وسألوا عمر رضي الله عنه أن يصلّي بهم الجماعة مجمع بن الحارثة فقال: لا؛ ولا نعمة عين، أليس بإمام مسجد الضّرار، فقال له مجمع: يا أمير المؤمنين لا تعجل عليّ، فو الله لقد صلّيت فيه وإنّي لا أعلم ما أضمروا عليه، ولو علمت ما صلّيت معهم، وكنت غلاما وهم شيوخ لا يقرءون من القرآن شيئا، فصلّيت بهم ولا أعلم ما في نفوسهم، فعذره عمر رضي الله عنه وصدّقه، وأمره بالصّلاة في


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (١٣٣٦١) مرسلا عن الزهري ويزيد بن رومان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة، والحديث (١٣٣٧١) عن ابن زيد، و (١٣٣٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>