للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأنشد نفطويه بعضهم:

إنّ الكريم إذا تشاء خدعته ... وترى اللّئيم مجرّبا لا يخدع

قوله تعالى: {فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ؛} أي حدرهما من أعلى إلى أسفل؛ لأنّ الخير عال والشّرّ سافل. وقال بعضهم: معناه: قرّبهما مما أراد من التّورية؛ وهي التقريب مأخوذ من أدلى الدّلو، ويقال: فلان يدلي فلانا بالغرور؛ أي يخدعه بكلام زخرف باطل.

وقال مقاتل: (فدلاّهما بغرور) أي زيّن لهما الباطل. فدلاّهما بغرور؛ الغرور ما تقدّم ذكره بقوله لهما: {(ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ)}. وفي بعض الرّوايات: أنّ آدم عليه السّلام كان يقول وقت توبته: ما ظننت يا رب أنّ أحدا يجرأ فيحلف باسمك كاذبا.

قوله تعالى: {فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما؛} فيه دليل أنّهما لم يبالغا في الأكل، ولكن لمّا وصل إلى جوفهما تهافت عنهما لباسهما، وظهر لكلّ منهما عورة صاحبه فاستحيا، {وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ؛} أي عمدا فأخذا يلزقان عليهما من ورق التّين.

والخصف: الإلزاق بعضه إلى بعض، كما يعمل الخصّاف الذي يرقّع النّعل.

ومعنى (طفقا) أخذا في العمل، يقال: بات يفعل كذا إذا فعله ليلا، وظلّ يفعل كذا إذا فعله نهارا، وطفق يفعل كذا إذا فعل في أيّ وقت كان.

وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: [إنّ آدم كان رجلا طوالا كأنّه نخلة سحوق كثير شعر الرّأس، فلمّا وقع بالخطيئة بدت سوأته وكان لا يراها، فانطلق هاربا في الجنّة، فعرضت له شجرة من شجر الجنّة فحبسته بشعره، قال لها: أرسليني! فقالت: لست مرسلتك. فناداه ربّه: يا آدم؛ أمنّي تفرّ؟ قال: لا، ولكن استحييت]. (١)


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الحديث (١١١٩٧) عن أبي بن كعب، وهو اللفظ في الحديث (١١٢٠١) بإسناد آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>