للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معنى: إلا أن تكون تلك الأشياء ميتة. وقرأ عليّ رضي الله عنه: «(يطّعمه)» بتشديد الطاء، فأدغم التاء في الطاء.

قوله تعالى: {(أَوْ دَماً مَسْفُوحاً)} أي دما مصبوبا سائلا، فكانوا إذا ذبحوا أكلوا الدم كما يأكلون اللّحم. وفي الآية دليل على أن الدّم إذا لم يكن سائلا مثل الدم الذي يكون في عروق اللّحم المذكّى؛ فإنه لا يكون محرّما؛ هكذا قال عكرمة وقتادة، وقال عمران بن حدير: (سألت أبا مجلز عمّا يتلطّخ باللّحم من الدّم حتّى يرى فيه حمرة الدّم؛ قال: لا بأس به؛ إنّما نهي عن الدّم المسفوح وهو المهراق السّائل، لكن يحرم لعينه) (١).وقوله تعالى: {(أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ)} فيه بيان أنّ لحم الخنزير لا يحرم لكونه ميتة، لكن يحرم لعينه.

وقوله تعالى: {(أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ)} عطف على قوله: {(أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ)}.

والمراد بالفسق: المذبوح للصّنم؛ وهو الذي يذكر على ذبحه اسم غير الله. ومعنى:

{(أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ)} أي رفع به؛ مأخوذ من الإهلال الذي هو رفع الصّوت؛ ومنه إهلال المحرم في الحجّ، ومنه قوله صلّى الله عليه وسلّم: [إذا استهلّ الصّبيّ ورث وصلّى عليه] (٢).

وأما الرّجس؛ فمعناه: الحرام، وكلّ ما استقذرته فهو رجس، والرّجس العذاب في غير هذا الموضع.

قوله عزّ وجلّ: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ؛} أي من دعته الضرورة إلى أكل شيء من هذه المحرّمات؛ غير طالب التلذّذ بتناوله، ولا متجاوز قدر المباح منه؛ {فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١٤٥)؛إذ رخّص لكم تناول هذه الأشياء عند الضّرورة؛ أي أكل شيء من هذه المحرّمات.

فإن قيل: لم قصر التحريم في هذه الآية على الأشياء المذكورة فيه؛ مع أنه تعالى قد حرّم أشياء غيرها في أوّل سورة المائدة؟ قيل: لأنّ هذه الآية مكيّة؛ نزلت في جواب الذين جادلوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تحريم البحيرة ونحوها، فكانت هذه الأربع


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٠٩٥٧) بإسنادين.
(٢) أخرجه ابن حبان في الإحسان: كتاب الفرائض: الحديث (٦٠٣٢) بإسناد صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>