للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجشمي ومالك بن عوف (١) -وكان هو الّذي يحرّم لهم، وكانوا يرجعون إليه فيه- فسكت مالك وتحيّر في الجواب. فقال صلّى الله عليه وسلّم: [ما لك يا مالك لا تتكلّم؟] فقال له مالك: بل تكلّم أنت؛ أنا أسمع (٢).

فنزل قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ؛} هذا استفهام بمعنى التّوبيخ والتّعجّب؛ معناه: أيّ أحد أعتى وأجرا على الله ممّن اختلق على الله كذبا {(لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ)} أي ليصرف الناس عن دينه وحكمه بالجهل، {إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ} (١٤٤)؛أي لا يهديهم إلى الحجّة فيما افتروا على الله، ويقال: لا يهديهم إلى حجّته وثوابه.

فلما نزلت هذه الآية قال مالك بن عوف: فيم هذا التحريم الذي حرّمه آباؤنا من السّائبة والوصيلة والحام والبحيرة؟ فأنزل الله عزّ وجلّ: {قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ؛} فقرأ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الآية، ثمّ قال: [يا مالك؛ أسلم] فقال: إنّي امرؤ من قومي فأخبرهم عنك. فأبى قومه؛ فقالوا: كيف رأيت؟ فقال:

رأيت رجلا معلّما. وذكر لهم؛ فقالوا: إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون (٣).

ومعنى الآية: قل لهم يا محمّد: لا أجد في ما أوحي إليّ من القرآن شيئا محرّما على آكل يأكله إلاّ أن يكون ميتة لم يذكّ؛ وهي تموت حتف أنف. فمن قرأ «(إلاّ أن يكون)» بالياء فعلى معنى: إلاّ أن يكون المأكول ميتة. ومن قرأ بالتاء؛ فعلى


(١) في الإصابة في تمييز الصحابة: ج ٥ ص ٧٤٤: الرقم (٧٦٨١)؛قال ابن حجر: (المعروف في والد أبي الأحوص أنه مالك بن نضلة)،وفي الرقم (٧٦٩٨)؛قال: (مالك بن نضلة الجشمي والد أبي الأحوص عوف).وفي ج ٤ ص ٧٤٢:الرقم (٦١٠٥):ترجمة عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي. وله فيها قصة.
(٢) ذكر القصة مقاتل في التفسير: ج ١ ص ٧٣٤؛وقال: (كلم النبي صلّى الله عليه وسلّم في ذلك عوف بن مالك الجشمي، ويكنى أبا الأحوص).
(٣) من وجه آخر أخرج القصة ابن هشام في السيرة النبوية: ج ٢ ص ٢٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>