للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليهم الّذين كانوا يزيّنون للمشركين قتل أولادهم) (١).

ومعنى الآية: وكما زيّن تحريم الحرث والأنعام؛ زيّن لكثير من المشركين دفن بناتهم أحياء كراهية لهنّ ومخافة الفقر، وقوله تعالى: {(شُرَكاؤُهُمْ)} أي قرناؤهم وشياطينهم، وقيل: سدنة آلهتهم؛ يعني خدّام أصنامهم.

قرأ بعضهم: «(زيّن)» على ما لم يسمّ فاعله، ورفع قوله: «(قتل أولادهم شركاؤهم)» يحمل على المعنى على الفاعل؛ كأنه قال: من زيّن لهم، ثم قال {(شُرَكاؤُهُمْ)} على إضمار (زيّنه).وقرأ ابن عامر بضمّ الزاي، وقيل: بضمّ اللام «(أولادهم)» بالنصب و «(شركائهم)» بالكسر. ومعنى ذلك: على التقديم والتّأخير؛ كأنه قال: زيّن لكثير من المشركين قتل شركايهم (٢) أولادهم، فيكون معنى الشركاء الكفار القاتلون، المتقدّمون منهم والباقون.

وقوله تعالى: {(لِيُرْدُوهُمْ)} أي ليهلكوهم. يجوز أن تكون هذه لام العاقبة، إن لم يكن غرضهم بذلك الأمر إهلاكهم، ويجوز أن تكون لام الغرض؛ لأنه قد كان فيهم معاندون وغير معاندين؛ فغلبت صفة المعاندين.

قوله تعالى: {وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ؛} أي ليخلطوا ويشبهوا عليهم دينهم دين إسماعيل عليه السّلام. قوله تعالى: {وَلَوْ شاءَ اللهُ ما فَعَلُوهُ؛} أي لو شاء الله لمنعهم من دفن البنات أحياء، {فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ} (١٣٧)؛أي اتركهم وافتراءهم على الله أنه أمرهم بدفن بناتهم أحياء، فإنّ الله تعالى مع قدرته عليهم تركهم؛ فاتركهم أنت، فإنّ لهم موعدا يحاسبون فيه.


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٠٨٢٦) مختصرا.
(٢) شركايهم؛ بياء مضمومة. ينظر: معاني القرآن للفراء: ج ١ ص ٣٥٧ - ٣٥٨؛ لأن شركاؤهم فاعل، وهي قراءة عامة القراء. والتقدير: (زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركايهم) ينظر: اللباب في علوم الكتاب: ج ٨ ص ٤٥٦.وفي الجامع لأحكام القرآن: ج ٧ ص ٩٢ - ٩٣؛ أتى الإمام القرطبي بفوائد.

<<  <  ج: ص:  >  >>