للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الجاهليّة كانوا إذا حرثوا حرثا؛ جعلوا لله خطّا؛ وقالوا: ما دون هذا الخطّ لآلهتنا ينفق عليها وعلى خدّام الأصنام، وما وراء هذا الخطّ لله يتصدّق به على أهل الحاجة والمسكنة والسّائلين.

وكانوا إذا أرسلوا الماء فيما سمّوه لله تعالى، فانفجر منه إلى الّذي جعلوه لآلهتهم تركوه؛ وقالوا: هذا أحوج والله غنيّ عنه، وإذا انفجر من الّذي جعلوه لأصنامهم؛ ردّوه وقالوا: ليس لآلهتنا بدّ من النّفقة. وكانوا إذا هلك الّذي لآلهتهم؛ وكثر الّذي لله؛ أخذوا الّذي لله وأنفقوه على الأصنام، وإذا هلك الّذي لله؛ وكثر الّذي للأصنام قالوا: لو شاء الله لأزكى الّذي له) (١).

ومعنى الآية: وجعل المشركون من أهل مكّة لله ممّا خلق من الزّرع والأنعام نصيبا، وللأصنام نصيبا؛ فقالوا: هذا نصيب الله بقولهم، ولم يأمرهم الله تعالى بذلك، وهذا النصيب الآخر لآلهتنا. وفي الآية إضمار تقديره: وجعلوا لله نصيبا ولشركائهم نصيبا. وقوله تعالى: {(بِزَعْمِهِمْ)} قرأ السلميّ والأعمش والكسائيّ بضمّ الراء، والباقون بفتحها، وهما لغتان.

وقوله تعالى: {فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ؛} أي ما كان من نصيب آلهتهم فلا يرجع إلى الذي جعلوه لله، {وَما كانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ؛} اى يرجع الى الذى جعلوه لشركائهم {ساءَ ما يَحْكُمُونَ} (١٣٦) أي بئس ما يقضون؛ يوفّون نصيب الأصنام وينقصون نصيب الرّحمن، فبئس الحكم حكمهم في الإشراك وبالقسمة. وكانوا يفعلون بالأنعام الثمانية أزواج ونحوها كذلك.

قوله تعالى: {وَكَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ؛} قال ابن عبّاس: (كان أهل الجاهليّة يدفنون بناتهم أحياء كراهية للبنات، وكان الرّجل منهم يحلف لئن ولد له كذا وكذا غلاما لينحر أحدهم كما حلف عبد المطّلب على ابنه عبد الله. وكان لآلهتهم خدّام يقومون


(١) أخرجه الطبري في جامع البيان: الأثر (١٠٨٢٠ و ١٠٨٢١).

<<  <  ج: ص:  >  >>