للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قال السعدي: (أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية مرامهم ونهاية قصدهم، فسعوا لها وأكبوا على لذاتها وشهواتها، بأي طريق حصلت حصلوها، ومن أي وجه لاحت ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها، وكأنها ليست دار ممر، يتزود منها المسافرون إلى الدار الباقية التي إليها يرحل الأولون والآخرون، وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون. وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولا بالآيات الأفقية والنفسية، والإعراض عن الدليل مستلزم للإعراض والغفلة، عن المدلول المقصود. أُوْلَئِكَ الذين هذا وصفهم مَأْوَاهُمُ النُّارُ أي: مقرهم ومسكنهم التي لا يرحلون عنها) (١).

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور من أجل أن يتذكر الإنسان الموت فيتعظ ويعتبر، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي - صلى الله عليه وسلم - قبر أمه فبكى وأبكى من حوله، فقال: ((استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت)) (٢).

قال المناوي: (ليس للقلوب سيما القاسية أنفع من زيارة القبور فزيارتها وذكر الموت يردع عن المعاصي ويلين القلب القاسي ويذهب الفرح بالدنيا ويهون المصائب وزيارة القبور تبلغ في دفع رين القلب واستحكام دواعي الذنب ما لا يبلغه غيرها) (٣).

٦ - الضعف في التربية:

(يحتاج المسلم إلى تربية طويلة، مؤصلة، شاملة، وبخاصة في الجانب العبادي والعلمي.

ولقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم صحابته خير تربية عرفتها البشرية، ولم يكن هذا بالأمر السهل والهين، بل مكث سنوات طويلة في مكة، وبعد ذلك في المدينة، يتعاهد صحابته، ويربيهم على عينيه صلى الله عليه وسلم وتطلب هذا الأمر جهودا مضاعفة وسنوات متوالية، حتى تخرج على يديه الكريمتين تلك الصفوة المباركة، التي ما عرف التاريخ ولن يعرف مثلها، سجلوا أمجادهم بمداد من نور، واجهوا المشكلات والعقبات، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ذلوا، وما استكانوا، وما ضعفوا.

وشباب الأمة اليوم بأمس الحاجة إلى التربية الشاملة المتوازنة، المستمدة من الكتاب والسنة، وعلى هدي سلف الأمة.

والحقيقة التي لا يمكن إنكارها، أن هناك ضعفا ظاهرا في تربية رجال الأمة وشبابها، بل ونسائها، وأصبح الالتزام مظهرا عاما في داخله دخن عند كثير من الملتزمين، قد لا يثبت عند مواجهة الشدائد والمحن.

فالصلة بالله ضعيفة، والعلم قليل، والتجربة محدودة، بينما المشاعر فياضة، والحماس طاغ، وقد يسر الناظرين، كالسراب يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا [النور: ٣٩] إلا من عصم الله ووفق وثبت.

وقد كثرت الشكوى هذه الأيام من أولئك الذين ضعفوا بعد استقامة، وأصبحت تكون ظاهرة تحتاج إلى علاج، ووجدت أن من أبرز أسبابها ضعف التربية، مع كثرة الشهوات والشبهات، فعلى العلماء وطلاب العلم والمربين المبادرة قبل فوات الأوان، وتمني أن الذي كان ما كان.

ومما تجب الإشارة إليه في باب ضعف التربية ما يلي:

أ- ضعف البدايات، وعدم بناء الشخصية المسلمة على أسس قوية مؤصلة، مما يجعلها هزيلة غير متمكنة، تميل إلى ما قامت عليه وتحن إليه، مما يجعل صاحبها يعاني أيما معاناة.

ب- عدم التدريب على المبادرة، بل أحيانا تربية الفرد على السلبية وانتظار التكاليف، فهو إمعة ومقلد.

ج- ضعف الثقة بالنفس، والخوف من الإحباط والفشل، والتهيب من كل جديد.

د- الغفلة عن مبدأ الثواب والعقاب، أو إساءة استخدامه.

هـ- التعنيف في المحاسبة، وتضخيم الأخطاء، وكثرة العتاب، وعدم مراعاة الفروق الفردية، والظروف الاجتماعية، مما يسبب للشاب نفورا ووحشة وإحباطا.

وإبراز الشخص وتحميله مسئوليات كبيرة قبل نضجه وإعداده وتربيته، وهذا بلاء عواقبه وخيمة في العاجل أو الآجل) (٤).


(١) ((تيسير الكريم الرحمن)) للسعدي (ص ٣٥٨).
(٢) رواه مسلم (٩٧٦).
(٣) ((فيض القدير)) للمناوي (٤/ ٦٧).
(٤) ((الفتور)) لناصر العمر (ص ٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>