عَلَيهِ السَّلَامُ: «وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَلْيَأْتِنِي وَأَنَا مَوْلَاهُ, وَأَنَا وَلِيُّهُ فَلأَدَعْ لَهُ» , أَنَّ ذَلِكَ مِنْهُ وَعَدٌ بِالأَدَاءِ، فَنَقَلَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ الْقَضَاءِ عَلَى مَعْنَى التَّفْسِيرِ, وَاللهُ أَعْلَمُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى قَوْلُهُ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ: «فَإِلَيْنَا وَلْيَأْتِنِي وَأَنَا مَوْلَاهُ وَوَلِيُّهُ فَلأدَعْ لَهُ»؟
قِيلَ مَعْنَاُهُ: أُدْعَا لِلنَّظَرِ فِي دَيْنِ الْمَيِّتِ مِنْ أَجْلِ صِغَرِ وَرَثَتِهِ, فَإِنْ كَانَ مَا تَرَكَ وَفَاءً لِدَيْنِهِ أَدَّيْتُهُ عَنْهُ كَمَا شَرَطَ اللهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءً بِدَيْنِهِ وَأَرَادَ الْوَرَثَةُ الْكِبَارُ أَوْ رَأَى مُتَوَلِّي أَمْرَ الصِّغَارِ التَّمْسُّكَ بِالتَّرِكَةِ وَيَضْمَنُ الدَّيْنَ عَنْ مَوْرُوثِهِم، نُظِرَ فِي ذَلِكَ بِمَا يَصْلُحُ مِنْ حَالِ الْمَيِّتِ فِي آخِرَتِهِ وَحَالِ ذُرِّيَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ التَّرَفُقِ لَهُمْ بِالسَّعْيِ فِي الْمَالِ وَالنُّظْرَةِ لَهُمْ لِعُسْرَتِهِمْ، وَكَانُوا مِنْ الْغَارِمِينَ الَّذِينَ أَحَلَّ لَهُمْ الصَّدَقَاتِ وَجَعَلَ لَهُمْ نَصِيبًا مِنْ زَكَوَاتَ الْمُسْلِمِينَ, بِقَوْلِهِ {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ} الآيةَ إلى {وَالْغَارِمِينَ}، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُمْ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ نَصِيبًا إِذْ بَيْتُ الْمَالِ لا تَكُونُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لأَنَّه أَمَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ بِرَدِّهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ، وَإِنَّمَا يَكُونَ فِي بَيْتِ الْمَالِ خُمْسُ الْمَغَانِمِ وَالْجِزْيَةُ, وَقَدْ قَسَمَهَا الله تَعَالَى وَلَمْ يَذْكُرْ لِلْغَارِمِينَ فِيهَا نَصِيبًا, بِقَوْلِهِ: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} الآيةَ، وَقَوْلِهِ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية.
فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَعْطَى الْعَبَّاسَ مَا قَدَرَ عَلَى حَمْلِهِ مِنْ الْمَغَانِمْ وَالْجِزِيَةِ، قِيلَ لَهُ: أَعْطَاهُ بِمَعْنَى الْقُرْبَى وَبِنَصِّ كِتَابِ اللهِ فِي الأُسَرَاءِ, بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} , فَكَانَ الْعَبَّاسُ مِمَّنْ أَنْجَزَ لَهُ عَلَيهِ الْسَّلَامُ وَعَدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِه, وَفِي تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يُؤَدِّيَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute