[قصة سليمان عليه السلام مع الجياد]
إخوتي الكرام! في هذه الآيات أيضاً بعض الدروس والعبر، لكني أنتقل سريعاً إلى قصة أدخلها من أدخلها بعمد في كتب التفسير، يقول ربنا تبارك وتعالى في شأن سليمان عليه السلام: {إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ * فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ * رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص:٣١ - ٣٣].
من ملك سليمان عليه السلام: أن الله سخر له الريح تجري بأمره رخاءً حيث أصاب، وسخر له الجن يعملون بأمره، كما ذكر البخاري في كتاب الصلاة: باب ربط الأسير في المسجد، فالبعض قد يسأل: هل يجوز للمشرك أن يدخل المسجد؟
الجواب
نعم، إلا المسجد الحرام؛ لأن فيه نصاً: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ} [التوبة:٢٨]، أما ما سوى ذلك فالنبي قد أسر رجلاً من بني حنيفة يسمى ثمامة وكان مشركاً فربطه في سارية المسجد النبوي.
وبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عرض له الشيطان فأمسك به.
يقول: (فوجدت برد لعابه على يدي -صلى الله عليه وسلم- وكدت أن أربطه بسارية المسجد، ليلعب به غلمان المدينة، لولا أني تذكرت دعوة أخي سليمان: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [ص:٣٥]).
سليمان عليه السلام خرج يتفقد الخيول، وانشغل بتفقدها ونسي صلاة العصر، وحدث هذا للحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب لما انشغلوا بحفر الخندق حتى غابت الشمس، فقال: (شغلونا عن الصلاة الوسطى، أشعل الله في بيوتهم ناراً)، والحديث عند البخاري.
فلما انشغل بالخيل عن صلاة العصر حتى توارت الشمس بالحجاب -أي: غابت- قال: {رُدُّوهَا عَلَيَّ} [ص:٣٣] فأعادوا الخيول إليه {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأَعْنَاقِ} [ص:٣٣]، الإسرائيليات تقول: أخذ سيفاً وقتلها، وهذا كلام باطل؛ لأنه إفساد لمال لا ينبغي أن يكون، إنما الراجح من أقوال العلماء: أنه أخذ يمسح على رءوسها، فلابد من تنقية التفاسير من هذه الأشياء الدخيلة، كقوله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ} [ص:٣٤] اقرأ في بعض الكتب، يقولون: إن سليمان ضاع منه خاتم الملك في البحر، واستولت الشياطين على الملك، وجامعت نساءه وهن حيض، فهذا كلام باطل لا ينبغي أن يكون في حق نبي.
والقصة الحقيقية عند البخاري: قال سليمان: (لأطوفن الليلة على تسعين امرأة) وفي رواية: (مائة)، وأحمد عبد الوهاب حفظه الله رئيس إدارة هذه الجمعية له كتاب رائع أنصح بقراءته، اسمه تعدد نساء الأنبياء، وعقد مقارنة في عدد نساء كل نبي، وبين بالدليل أن أقل الأنبياء زواجاً هو النبي صلى الله عليه وسلم لعلهم يفقهون، يقول سليمان: لأطوفن على مائة امرأة كلهن يأتين بمجاهد يجاهد في سبيل الله، ونسي أن يقول: إن شاء الله، فطاف عليهن، والأنبياء رزقهم الله قوة، فلا ينبغي لأحد أن يقول كما يقول العلماني في أحد أعمدته: كيف سيعطي الله لنا سبعين من الحور العين في الجنة، ونحن لا نستطيع على واحدة أو أربع في الدنيا؟ الجواب: أهل الجنة لهم هيئة تختلف؛ فهم لا يتبولون ولا يتبرزون ولا يصيبهم فيها حزن، والنبي صلى الله عليه وسلم في حديث الكسوف يقول: (دنت مني الجنة)، أي: اقتربت الجنة من رسول الله، (حتى كدت أن آخذ عنقوداً من عناقيد عنبها، ولو أخذته لأصبح طعاماً لأهل الأرض جميعاً)، عنقود واحد لماذا؟ {وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا} [البقرة:٢٥]، ليس له إلا الاسم.
أقول: أحبتي الكرام! الصحيح في القصة أن سليمان لما نسي أن يقول: إن شاء الله لم تنجب إلا امرأة واحدة، وأنجبت نصف رجل، أي: عنده شلل نصفي، وألقي على كرسيه هذا الجسد، يقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} [ص:٣٤]، أي: هذا النصف، {ثُمَّ أَنَابَ} [ص:٣٤] أي: عاد واستغفر الله عز وجل ورجع إليه.
أحبتي الكرام! الحقيقة أن قصة سليمان فيها من الدروس والعبر الكثير والكثير، وأكتفي بهذا القدر حتى لا نشق على إخواننا.
أسأل الله سبحانه أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وفي السر والعلن، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وجزاكم الله خيراً.
والسلام عليكم ورحمة الله.