[أخطاء تقع في الحج]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد: فإن أحكام الحج مهمة جداً؛ لأن الذي يذهب إلى موسم الحج يجد الجهل واضحاً بيناً بين المسلمين، فقد يترك المسلم ركناً أو واجباً، ولا يعلم أنه يلزمه الذبح أو الفدية، ويجهل الفرق بين الهدي والفدية، فهذه كلها أمور لابد أن توضح، وهي مسئولية الدعاة، ومن أبسط هذه الأمور التي قد يجهلها المسلم في الحج: أن يجهل أن النوم العميق ناقض للوضوء، فقد ينام رجل بجوارك في الحرم ساعات، فإذا أذن المؤذن وأقيمت الصلاة قام وكبر تكبيرة الإحرام! وآخر قد يطوف شوطاً أو شوطين فيتعب فيترك ويقول: يكفى هذا، والله يتقبل، والمهم النية! إنه قلب للمقاييس في الحج، وظهور للبدع هناك؛ ولذلك أقول: المسئولية جسيمة على طلاب العلم وعلى الدعاة، فعليهم أن يتقوا الله سبحانه في تعليم الناس مناسك الحج، وأن يجيبوا عن أسئلة الناس في ذلك، وقد سألني سائل وقال: أنت قلت: إن الواجب يجبر بدم، فأين يذبح هذا الدم وأين يوزع؟ فقلت: إن ترك الحاج واجباً من واجبات الحج يلزمه فدية دم، فيذبحه ويوزعه داخل حدود الحرم، وليس له وقت معين، بينما الهدي آخر وقته الزماني هو آخر أيام التشريق، وعليه فالهدي له وقت زماني، أما الفدية فمتى ما استطعت، يعني: إن لم تستطع الآن فربما تستطيع بعد يوم أو يومين أو ثلاثة.
وإن لم يتبين له أنه ترك واجباً إلا بعد سنة أو سنتين فيرسل المبلغ المالي إلى السعودية، وهناك يقوم من يشتري له فيذبحه ويوزعه داخل حدود الحرم، وهذا إذا كان مستطيعاً، وإلا: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة:١٩٦]، لكن إن لم يستطع أن يصوم في مكة فيصوم العشرة أيام كاملة في بلده.
ولا يجوز للحاج أن يأكل من الفدية، لأنها كالنذر تماماً، بينما يجوز له أن يأكل من الهدي، قال تعالى: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:٣٦]، والقانع هو: الذي لا يسأل الناس، فهو قانع بحاله، والمعتر هو: الذي يسأل، وعليه فمعنى الآية: فكلوا منها وأطعموا الذي يسأل والذي لا يسأل، الفقير السائل وغير السائل.
وأخرى: حاضت ورحلت مع الركب ولم تطف طواف الوداع بعد، فالعلماء على أنها ترحل مع الركب ولا شيء عليها؛ لأن الذي منعها من طواف الوداع هو الحيض، بينما لو أن رجلاً لم يطف طواف الإفاضة وطاف طواف الوداع، ثم رحل مع الركب، فإن ذلك يجزئه؛ لأنه يجوز له أن يجمع بين طواف الإفاضة وطواف الوداع بطواف واحد.
أيضاً: لو أن رجلاً غابت عليه الشمس يوم الثاني عشر من ذي الحجة في منى، ثم ترك منى بعد أن رمى الجمرات بعد الزوال؛ فلا يجوز له ذلك؛ لأنه لابد له أن يبيت بمنى، لكن إن رمى وتعجل فعليه أن يرحل من منى قبل غروب الشمس.
كذلك: لو أن رجلاً جاء من عرفة إلى المزدلفة، لكن لم يصل إلى مزدلفة إلا بعد الفجر، يعني: أنه لم يبت في مزدلفة، فليس عليه شيء؛ لأن الذي عاقه عن الوصول إلى مزدلفة مبكراً هو الزحام، والله يقول: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج:٧٨]، وقال: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة:١٨٥].
وآخر: طاف للإفاضة من داخل حجر إسماعيل، ثم عاد إلى بلده، ثم سأل فقال: طفت من داخل الحجر شوطاً أو شوطين، فما حكم ذلك؟ نقول له: إن طفت طواف الوداع من دخل حجر إسماعيل يلزمك دم، وإن كان الطواف للقدوم فكذلك يلزمك دم، وإن كان الطواف تطوعاً فليس عليك شيء، وإن كان الطواف للإفاضة فيلزمك أن تعود لتطوف ثم تذبح فدية؛ لأنك ربما قد جامعت زوجتك؛ ولأن طواف الإفاضة ركن لا يجبره دم.
كذلك لابد أن يعرف الحاج أنه بعد الإحرام يلزمه أن يجتنب محظورات الإحرام، فلا يتطيب، ولا يأخذ من أظفاره، ولا يغطي رأسه، فإذا أراد أن ينام بالبطانية فلا يضعها فوق رأسه، أو كما يفعل بعض الجهلة فيضع منديلاً فوق رأسه، فإن ارتكب أحد محظورات الإحرام لزمه الفدية، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، فإن لم يستطع فليطعم ستة مساكين.
وأما النظارة الشمسية فليس فيها شيء؛ لأنه ثبت أن من السلف من كان يضع فوق رأسه شيئاً يحتمي به من حرارة الشمس.
وتعجب عندما تسمع فتوى لبعض العلماء يقول فيها بجواز ذبح الهدي قبل يوم النحر! ومعلوم أن الذبح يكون يوم عشرة، وهو من أعمال يوم النحر (اليوم العاشر)، بالإضافة إلى رمي جمرة العقبة والحلق والطواف، وعليه فهي أربعة أعمال في يوم النحر: رمي فحلق فذبح فطواف، فإن قدم واحدة على الأخرى فلا حرج، أما أن يقدم أحدها إلى اليوم الذي قبل فلا، ويحصل بالطواف -طواف الإفاضة- التحلل الأكبر، ويحصل بالرمي والذبح التحلل الأصغر.
وهنا: لو أن رجلاً رمى جمرة العقبة ثم ذبح ثم حلق، ولم يطف للإفاضة، أي: أنه أخر الطواف إلى آخر ذي الحجة، وهذا لا مشكلة فيه، ولكنه جامع زوجته، فيلزمه دم (فدية شاة)، لكن إن جامع