للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

دفع في الواقع بعض المسؤولين مثل مستر- دلاس- إلى مراجعة ضميره، فلم يكن تبريره الذي صرح به عن إخفاق هيئة الأمم المتحدة، إلا لأن الرئيس جمال عبد الناصر كان بالأمس قد وجه في خطبته الأولى من منبر باندونج بعض الانتقادات إلى المنظمة الدولية. فلم يكن هذا التبرير إلا دليلاً على هذه المراجعة.

وجملة القول، إن المؤتمر (الأفرسيوي) قد افتتح أعماله بالنسبة إلى العالم (الكبار) بـ (لحظة الحقيقة) وبالساعة التي وجب أن يدافع فيها عن نفسه. وكان عالم الكبار قد وجهت إليه دعوة ليبدي رأيه بصراحة في موضوعات المؤتمر الأساسية في إطارها الإنساني، وليس فقط في الإطار الغربي.

وهكذا سجل أسبوع باندونج تفوق الجانب الإنساني في السياسة العالمية، إنه سجل في التاريخ حدثاً، واطراداً، فأما الحدث فقد أنطبع في الواقع الراهن في الأحداث المضطرمة لأسبوع حافل بالتاريخ. وأما الاطراد، فإنه يخص النتائج المتوقعة القريبة أو البعيدة.

وأهمية المؤتمر تتجلى في هذه الأرقام: فقد جمع تسعاً وعشرين دولة تمثل قارتين بما تقلان من جموع بشرية، وما تضمان من تراث فكري متفاوت، بحيث تقف روحانية الإسلام على طرف، وماركسية الصين الشعبية على الطرف الآخر. وإن هذا الاطراد ليتجاوز في الواقع رقعة إفريقية وآسيا، إذ هو يمتد اجتماعياً من طنجة إلى جاكرتا. وأخلاقياً من واشنطن إلى موسكو. وينحو نحو تكامل مزدوج يرفع الرجل ((الأفرسيوي)) إلى المستوى الاجتماعي للحضارة، ويرفع الرجل المتحضر إلى المستوى الأخلاقي للإنسانية. وبهذا التكامل المزدوج يكون الاطراد قد أسهم في خلق نموذج عالمي يحقق وحدة النوع التي وضعت لها العبقرية الغربية شروطها المادية.

لقد كدنا ونحن أمام التوقعات التي نراها خلال هذا الحادث، أن نتحدث عن معجزة المؤتمر، تلك التي ستتيح للإنسانية أن ترد على التحدي الجديد الذي تجده في طريقها، وعلى الاستحالة الجديدة التي وضعها التطور أمامها، وخاصة إذا ما

<<  <   >  >>