للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخذنا في اعتبارنا أن مؤتمر باندونج قد انعقد بدعوة دول كولومبو الخمسة. التي نعرف عن اختلافاتها ما نعرف.

والواقع أن المعجزة قد تحققت بمجهود الرجل الذي جمع في يديه مصائر الهند.

لقد حمل ((نهرو)) مع أمانة الحكم، رسالة (عدم العنف) التي حمّله إياها غاندي عند موته.

وقد استطاع بفضل إخلاصه لهذه الرسالة- التي لم يضح بأقل جزء منها أمام ضرورات الحكم- أو ما يسمونه (الواقعية السياسية)، أن يسمو بسياسة بلاده الخارجية إلى درجة دستور أخلاقي دولي، دستور لا يسمح ببيِع مبدأ بكمية من القمح، أو شحنة من المعدات الحربية. وكانت باندونج أولاً الثمرة (الأفرسيوية) لهذا الدستور الذي تبهرنا دون شك (مثاليته) السامية، بينما يلزمنا أن نعترف في خاتمة الحساب بأنه يضع السياسة (الواقعية) الخالصة، السياسة التي تدرك غاياتها ووسائلها.

ونحن ندين له أولاً بمنطق جديد للسلام، فرض نفسه تماماً في مناقشات المؤتمر (الأفرسيوي) وفي ضوئه الخاص لم تعد مشكلة السلام محصورة في نطاق ما يسمى (مراكز القوة) ( Positions de force)، وإنما في نطاق مبادئ معينة مستوحاة من أحدث التجارب الإنسانية وأمضاها في الميدان السياسي. فالقوة التي حررت الهند ليست قوة السلاح، ولكنها قوة المبدأ الذي كسب مكانة قيمة إنسانية، ومقياساً عالمياً هو: عدم العنف، على حين أن (القوة) التي انطلقت خلال حربين عالميتين لم تحرر إلا الموتى.

ويعرف الناس منذ ذلك الحين من خلال التجارب التي عاشوها، أن فرص السلام لا تتكاثر مع الميزانيات الحربية، بل فرص الحرب. وأن الأزمة لا تخف مع تزايد هذه الميزانيات، بل على العكس من ذلك تحتد؛ إذ إن كل اختلال ينشأ

<<  <   >  >>