المنطقي لهذا الحدث يصدر أساساً عن وقوعه بين هذين القطبين: بادرة الحضارة والحضارة في القرن العشرين.
ولقد كشف مؤتمر باندونج عن أهمية تتجاوز أهدافه العاجلة، وذلك دون أن يلتزم باستخلاص مضمون مذهبي، حيث قد نحى جانباً المشكلات النظرية، لكي يصفي المشكلات الواقعية الملحة. ولقد قال لي أحد الدبلوماسيين الهنود قبيل الذهاب إلى المؤتر:((ليس لدينا من الخشوع ما يكفينا ونحن ذاهبون إلى باندونج)).
في هذا التقديس والإجلال يكمن التفسير الحق للمؤتمر، أكثر من أن يكون في تلك الواقعية التي لا ترى فيه سوى حادث عارض في الحياة الدولية، حيث أصبح من المستطاب منذ عام (١٩٤٥م) أن نتكهن بتوزيع الأصوات بين الكتلتين، ونعكف على لعبة عد الأصوات لكي نكتشف هكذا .. سر أبي الهول.
إن خلاص الإنسانية والمشكلات التي أثارها المؤتمر من أجل هذا الخلاص، قد خلعا عليه طبيعة وصفة تدفع إلى التقديس أكثر مما تدفع إلى لعبة عد الأصوات .. إلى لعبة ..
ويدَع أحد المراقبين الغربيين لمؤرخ سنة (٢٠٠٠م) مهمة القول، بأن:((مؤتمر باندونج لم يحقق أي نتيجة عاجلة، ولكنه كان مجمَعاً للقوى التي خطّت الطريق لتطور التاريخ، وشكلت العالم الذي نعيش فيه اليوم)).
هذه الشهادة التي تهمنا باعتبارها حكماً على المستقبل البعيد لهذا الحادث الدولي، تهمنا أيضاً باعتبارها دليلاً على تأثيره السريع في الضمير الغربي، الذي رأى تحت الغلالة الرقيقة ((الأفرسيوية)) مضمونها الإنساني ومغزاها العالمي.
وفضلاً عن ذلك .. فقد كان لهذا المؤتمر تأثيره العاجل، إذ دفع -على الأقل- ذلك الضمير الغربي إلى امتحان جديد.