للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشهود وعلم القاضي (١)، فقد اقتصر على بعض أفراد البيِّنة.

قال ابن القيم: "ومَنْ خصَّها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوفِّ مسمَّاها حقَّه، ولم تأت البيِّنة قطُّ في القرآن مراداً بها الشاهدان، وإنما أتت مراداً بها الحُجَّة والدليل والبرهان مفردةً ومجموعة، وكذلك قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم: "البيِّنة على المدَّعِي" (٢) المراد به: أنَّ عليه بيانَ ما يصحِّح دعواه ليُحُكْم له، والشاهدان من البيِّنة، ولا ريب أنَّ غيرها من أنواع البيِّنة قد يكون أقوى منها، كدلالة الحال على صدق المدَّعِي، فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبيِّنة والدلالة والحُجَّة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة متقاربةٌ في المعنى" (٣).

وتعتبر البيِّنات -بهذا المعنى- من أهم مسالك تحقيق مناطات الأحكام في الوقائع والجزئيات؛ لأنها مستند الأحكام القضائية، وهي من جنس أدلة وقوع الأحكام كما تقدَّم (٤)، إلا أنها تختصُّ بالقضاة -غالباً- والحكَّام، وتُسَمَّى: "الحِجَاج" أو "طرق القضاء" (٥).

وكلُّ بيِّنةٍ من البيِّنات المُعْتَبرة شرعاً تُعَدُّ مسلكاً مستقلاً من مسالك تحقيق مناطات الأحكام في الوقائع القضائية، وفيما يأتي بيان ذلك مقتصراً على ماله صلةٌ مباشرةٌ بموضوع البحث دون الاستطراد في ذكر تفصيلاتٍ تتعلَّق بأحكام تلك البيِّنات ليس هذا موضع بحثها.

أولاً: الشهادة.

وهي في اللغة: مصدرٌ مشتقٌ من "شهد"، "يشهد"، "شهادة"، وتطلق في اللغة على عدة معانٍ، منها: الحضور، والخبر القاطع، والإطلاع على الشيء


(١) ينظر: المحلى لابن حزم (٩/ ٣٧٠).
(٢) أخرجه البيهقي في " السنن الكبرى " (١٠/ ٢٥٢)، وصححه الألباني في " إرواء الغليل " (٨/ ٢٦٦).
(٣) الطرق الحكمية: (١١).
(٤) ينظر: (٢٥٩ - ٢٦٠).
(٥) ينظر: أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي (٢/ ٢٥٢).

<<  <   >  >>