للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والتمييز بين مشتبه الواقعات، والتفريق بينها في الأحكام، إنما يستند إلى صحة التصوُّر وتمامه لكلِّ واقعة، ومعرفة الفروق المؤثرة بينها وبين غيرها.

وقد نبَّه ابن القيم - رحمه الله- على صورٍ عديدةٍ من ذلك حيث قال:

" فالمفتي تَرِدُ إليه المسائل في قوالب متنوعةٍ جداً، فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال وإلا هلك وأهلك، فتارةً تُورد عليه المسألتان صورتهما واحدةٌ وحكمهما مختلف، فصورة الصحيح والجائز صورة الباطل والمُحَرَّم، ويختلفان بالحقيقة، فيذهل بالصورة عن الحقيقة، فيجمع بين ما فرَّق اللهُ ورسولُه بينه، وتارةً تُورد عليه المسألتان صورتهما مختلفةٌ وحقيقتهما واحدةٌ وحكمهما واحد، فيذهل باختلاف الصورة عن تساويهما في الحقيقة فيفرِّق بين ما جمع الله بينه، وتارةً تُورد عليه المسألة مجمَلةً تحتها عدة أنواعٍ فيذهب وهْمُه إلى واحدٍ منها، ويذهل عن المسؤول عنه منها، فيجيب بغير الصواب " (١).

ومن لوازم التصوُّر الصحيح للوقائع أن ينظر المجتهد في حقائقها، وأن لا يغترَّ بمسمياتها الخادعة وقوالبها المزخرفة؛ إذ الأحكام الشرعيَّة إنما تتعلَّق بالحقائق والمعاني لا بالألفاظ والمباني.

قال ابن القيم: " وتارةً تُورد عليه المسألة الباطلة في دين الله في قالَبٍ مزخرَفٍ ولفظٍ حَسَنٍ فيجيب بغير الصواب، فيبادر إلى تسويغها وهي من أبطل الباطل " (٢).

ولاسيما في مثل هذا العصر الذي غُيَّرت فيه كثيرٌ من المُسْمَّيات وسُمِّيت بغير اسمها.

فالرِّبا يُسمّى فائدةً أو تمويلاً أو تسهيلاتٍ بنكيةٍ ونحو ذلك، والخمر يُسمَّى مشروباً روحيَّاً، وألعاب القمار والميسر تُسمَّى مسابقات، والرشوة تسمى هديةً أو إكراميةً، وغير ذلك كثير.


(١) إعلام الموقعين: (٦/ ٩٧).
(٢) المرجع السابق.

<<  <   >  >>